في ظلّ استمرار العدوان الإسرائيلي والتهديدات التي ترعب السكان وتُهجّرهم من بيوتهم وأحيائهم فجأةً وفي ساعات متأخّرة من الليل، تزيد حركة النزوح بشكلٍ متسارع ومستمرّ، فيما وصلت معظم المراكز المعتمدة لاستقبال النازحات/ين ضمن بيروت إلى قدرتها الاستيعابية القصوى، أو زادت عنها. وتتوزّع معظم المراكز التي مازالت قادرة على استيعاب أعداد إضافية من النازحات/ين ضمن أقضية عكار والمنية -الضنية البعيدة عن بيروت والجنوب. فيضطرّ عدد من النازحات/ين للبقاء في العراء أو في سياراتهم، فيما تبقى بعض المرافق والمباني العامة شاغرة. في بيروت، تظهر بيانات وزارة المالية1حتى العام 2015 وجود 1285 عقار تعود ملكيتها للدولة اللبنانية، 1164 عقار ملك بلدية بيروت و111 عقار تابع للدولة اللبنانية (منهم 17 عقار ملكيات للدولة بإسم وزارات و16 عقار ملكيات للدولة باسم مصالح او مديريات). كما يملك مصرف لبنان بدوره 10 عقارات. اليوم وأمام عجز الدولة عن مواكبة الموجات المتكررة والكبيرة من النزوح وعجزها عن إيجاد حلول لأعداد النازحين الذين يفترشون الطرقات، تبقى نسبة من هذه العقارات تحوي مبانٍ فارغة وغير ملحوظة في خطة الاستجابة.
وهنا نستطيع أن نذكر بعض الأمثلة حول الأملاك العامة المبنية الشاغرة من ضمن أملاك الدولة هذه الواقعة ضمن بيروت الإدارية، كمحطة قطار مار مخايل، والمباني المستملكة لبناء مشروع اوتوستراد فؤاد بطرس، والتي تمّ ترميمها بعد تفجير المرفأ، والبيال، والمرافق الرياضية، وغيرها.
في حالة محطة قطار مار مخايل فإنّ هذا العقار بمساحته وموقعه المميز على حدود منطقة مار مخايل الموازية للكرنتينا، والمقابلة لعقارات أخرى ملك لبلدية بيروت (بما فيها مبنى حرس بيروت ومبنى فوج إطفاء بيروت)، قد يشكّل موقعاً مناسباً للإيواء ولو بشكل مؤقت. تزداد حظوظ هذه الفرصة للإيواء مع صدور مرسوم رقم 13962 الذي نشر في الجريدة الرسمية بتاريخ 26 أيلول 2024 وينص على قبول الهبة العينية المقدمة من الحكومة الايطالية بقيمة 3.15 مليون يورو لصالح وزارة الأشغال والنقل- مصلحة سكك الحديد والنقل المشترك، لتمويل أعمال ترميم في محطة مار مخايل في بيروت وإعادة تأهيل أجزاء منها، عبر مشروعين يتولّى تنفيذهما منظمة الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية (UNHABITAT) ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (UNESCO). يندرج هذا المشروع ضمن إطار مشاريع مبادرة لبيروت التي أطلقتها الأونيسكو بعد انفجار 4 آب في مرفأ بيروت. ويدعم هذا المشروع إعادة تأهيل 10000 متر مربع من محطة مار مخايل عبر مشروعين منفصلين. ويشمل المشروع الأول خلق مساحة عامة خضراء في موقع هذه المحطة ليستفيد منها سكان بيروت عموماً وتتولى تنفيذه ال UNHABITAT. أما المشروع الثاني، فيشمل إعادة تأهيل ستّ مبانٍ من حقبات تاريخية مختلفة وإتاحتها كمساحة مفتوحة للفنانين للعمل والعرض وتتولى تنفيذه ال UNESCO. يتم إنجاز هذا المشروع بالتعاون مع وزارة الثقافة وبالتوافق مع مصلحة سكك الحديد والنقل المشترك التابعة لوزارة الأشغال العامة والنقل.
في هذا السياق، فقد سبق وأعلنت الحكومة اللبنانية على لسان وزير البيئة اللبناني، أنها تدرس إقامة مراكز إيواء النازحات/ين في أراضٍ أو مبانٍ عامة. فلماذا لا تكون أولى خطوات هذا التوجّه تجيير جزء من الهبة المذكورة في المرسوم لتجهيز أولي للمحطة لتصبح مركز إغاثة وإيواء (ولو انتقالي)، فيكون لهذه المساحة العامة المنوي إنشاؤها على هذا العقار بُعداً اجتماعياً غير منعزل عمّا تمرّ به البلاد وعن الحاجة الى تأمين مراكز إغاثة في بيروت. وهو نموذج من الممكن تعميمه إذا ما توفّرت الإرادة السياسية في باقي المناطق ليكون للدولة والبلديات الدور المحوري في خلق حلول إضافية وتوسيع الخيارات بما يتعلق بالإيواء. من الواضح أن السلطات العامة والمحلية تملك موارد من ضمنها هذه العقارات، والتي إذا ما تمّ إدراجها ضمن خطة الطوارئ قد تشكّل فرصة إضافية لإيواء أعداد كبيرة من النازحين أو إغاثتهم ولو بشكل مؤقت.
المراجع:
- 1حتى العام 2015