مداهمة شبّان لحرش بيروت والبلدية تكافئهم

المصدر: تقرير إخباري نشرته قناة الأم تي في اللبنانية في 29 نيسان 2024

قامت مجموعة من شبّان طريق الجديدة بمداهمة حرش بيروت في نيسان 2024 لإلقاء القبض على شباب بتهمة التعاطي والاتجار بالمخدّرات. فبحسب ادّعاءات المجموعة، يقوم هؤلاء الشّباب منذ مدّة، باختراق ثغرات سياج الحرش لتعاطي المخدرات والاتجار بها. وبعد تجاهل أجهزة الدولة المعنيّة مطالبتهم بالتدخل وضبط ما يجري، قرّرت هذه المجموعة تفويض نفسها في مكافحة المخدّرات وحماية أمن الحرش والمنطقة والتحرّك، عبر تشكيل مجموعات تجول في الحرش لملاحقة المتّهمين بهدف طردهم أو تسليمهم للقوى الأمنيّة. كما ناشدت كلّاً من قائد الجيش ووزير الدفاع ووزير الداخلية ومحافظ مدينة بيروت والبلدية للقيام بكامل واجباتهم لحماية الحرش وضمان أمنه وأمانه. فبالنسبة لهؤلاء الشباب، يشكّل هذا الحرش المتنفّس الوحيد ليس لأهل قصقص فقط بل لكافّة سكّان بيروت، كأكبر مساحة عامّة خضراء يلجأ إليها “القريب والغريب” بحسب وصفهم، للترفيه عن أنفسهم/نّ، لا سيّما خلال فترة الأعياد ونهاية الأسبوع. فكيف يسمح لهكذا مساحة أن تكون عرضة للثغرات والانتهاكات، وأين هي الدولة من معالجة هذه المشكلة؟
يشكّل هذا التحرك سابقة خطيرة، إذ أنّه يستخدم خطاب السلطة نفسه، ويزعم أن السيطرة على الأماكن العامة ضرورية تحت ذريعة الحفاظ على السلامة والأمن، ويسمح بإنتاج أمن ذاتي يحقّق، ويقرّر وينفّذ. هذه الحملات تهدف إلى تقييد حرية الوصول إلى هذه المساحات، ممّا يتعارض مع حقوق جميع السكان في استخدامها بحرية.

وقد علَت صرخة هذه المجموعة في التقرير تجاه “الثغرة” التي فُتحت في سور الحرش، بينما يمكن أن تكمن الإشكالية الحقيقية في وجود السور نفسه، لا في كسره أو تجاوزه. تعمل هذه الأسوار كحواجز مادية ورمزية تفصل حرش بيروت عن محيطه الطبيعي والاجتماعي – وهو ما لم يكن الحال تاريخياً – وترمز أيضاً إلى السياسات التي تفرض العزلة والتقييد على المساحات العامة، ممّا يتعارض مع مبادئ الحرية والانفتاح والشمولية التي يجب أن تتمتّع بها مثل هذه الأماكن. ومن الجدير بالذكر أن حرش بيروت، على الرغم من مساحته الشاسعة، يحتوي على مدخل واحد فقط، مما يزيد من عزلته ويحد من إمكانية وصول السكان إليه.

كما يأتي هذا التحرّك أيضا متزامناً مع الخطاب العنصري والتحريضي تجاه السوريين/ات، إذ يفيد أحد الشبّان: “في سوريين عم يجوا على قصقص، حرقوا المنطقة ووسّخوا كتير، والدولة ما عم تجي تاخدن، هيدا الشي منو مسموح بقى”.

استجابت الدولة بعد هذه الحادثة عبر محافظ العاصمة ورئيس مجلسها البلدي مروان عبّود بعد لقاء جمعه مع الشبّان المداهمين واعداً إياهم بالتحرك وبالتعاون معهم، عبر تشكيل “غروب” تبليغ (“كغروب” الأشرفيّة)، تصل عليه الإدّعاءات والإشكالات من قبل هؤلاء الشبّان، ثمّ تكلّف من بعدها الأجهزة الأمنيّة المعنيّة بالتّحرك الفوري، كما عبّر عبّود عن رفضه لممارسات الأمن الذاتي وتجاوز الدولة والأجهزة الأمنيّة. فبعد اقتراح “قانون رقم 131/2019 المتعلق بحماية حرج بيروت” في العام 2022 على إثر حادثة اندلاع الحرائق في الحرج1وتنص المادة السابعة المقترحة على “منع إدخال أي مواد قد تسبب بإحداث حرائق داخل الحرج (كالزجاج والألمنيوم) ومنع التدخين فيه، ومنع ال”بيكنيك” وحفلات الطهي، إضافة إلى تشديد الرقابة للتأكد من الالتزام بهذا المنع حرصاً على عدم حدوث أي حريق ناتج عن إهمال رواد الحرج، وزيادة الحرس الليلي للحؤول دون أعمال تخريبية.”، تأتي استجابة الدولة اليوم على شكل “غروب تبليغ”. وما من ذلك إلّا تأكيد على مدى تخاذل الدولة الممنهج والدائم في فتح المساحات العامة وإدارتها وحراستها وتعزيز دورها كمساحات عامّة مفتوحة لكافّة سكّان المدينة، واستهتارها بأهميّة ودور هكذا مساحات عامة في مدينة مكتظة كمدينة بيروت. الدولة اليوم عاجزة عن استيعاب ما يجري من منطلق المصلحة العامة؛ فليست ثغرات السياج هي التي أدّت إلى انتهاك حرمة الحرش بل هي ثغرات الدولة التي تقيّد النشاطات في المساحات العامة وتفتعل الصراع عليها.

المراجع:

  • 1
    وتنص المادة السابعة المقترحة على “منع إدخال أي مواد قد تسبب بإحداث حرائق داخل الحرج (كالزجاج والألمنيوم) ومنع التدخين فيه، ومنع ال”بيكنيك” وحفلات الطهي، إضافة إلى تشديد الرقابة للتأكد من الالتزام بهذا المنع حرصاً على عدم حدوث أي حريق ناتج عن إهمال رواد الحرج، وزيادة الحرس الليلي للحؤول دون أعمال تخريبية.”
الأملاك العامة لبنان محافظة بيروت