شهادة من خالد فيّاض1خالد فيّاض فنان، مختص بالإعلان والميديا، ومهتم بقضايا حقوق الإنسان، القضايا السياسية وحرية التعبير.

في عام 2010 حين كان معظم أبناء جيلي يتفاخرون بقيادتهم السيارة للمرة الاولى، لم يكن هذا الأمر يعني لي كثيراً. كنت أشعر بالخوف الشديد عندما كنت أحاول القيادة.
لم أكن أعلم حينها تأثير هذا الشعور والاضطراب على مصير حياتي. كيف بإمكان شاب يعيش في صوفر-عاليه أن يتنقّل بدون سيارة؟ فالمواصلات داخل القضاء معدومة، حتى أن القاطنين في هذه الضيع لا يعلمون ما معنى كلمة “سرفيس”. في البداية كنت أعتمد على أقاربي في المواصلات، وكان الأمر يشعرني بعدم الاستقلالية. في حين أن المواصلات من عاليه إلى بيروت مؤمنة.
مع الوقت أصبحت أعتبر أن مشواراً من صوفر إلى بيروت أسهل وأقل قلقاً بالنسبة لي من مشوار داخل قضاء عاليه. فحتى ما يُعرف بال”تاكسي” تعرفته غير ملائمة لجميع الطبقات الاجتماعية، وذلك حتى قبل الانهيار الاقتصادي.
وقد أصبحت أشعر إذذاك، بأنني أنتمي إلى بيروت أكثر ممّا أنتمي إلى عاليه.
هكذا، وجدت بأن علاقاتي الاجتماعية، جامعتي، والأماكن التي أرتاد، حتى العيادات الطبية التي أذهب إليها، في بيروت، حتّى أنّ لهجتي الجبلية الواضحة، أخذت تفقد حدّتها شيئاً فشيئاً، لتحلّ محلّها لهجة بيروتية لطالما كانت غريبةً علي.
في البداية بدأ هذا الأمر وكأنه سهلٌ، ولكن مع مرور الوقت بدأت الصعوبات، وما لبثت أن اشتدت مع الانهيار الاقتصادي. ففان شتورا-بعلبك الذي يمر من سوق صوفر منه ويصل إلى كنيسة مار مخايل على مدخل بيروت الشرقي، تغيّرت تسعيرته تدريجياً من 3000 ليرة لبنانية قبل الانهيار، إلى 5000 ليرة في بداية الانهيار، ف 50000 ليرة في 2021- بداية 2022، حتى وصلت إلى 100000 ليرة بين عامي 2022 و2023.
كشخص تراجعت قدرته المادية لترميه في طبقة جديدة ما زال يتعرّف على شكلها، وغير قادر على القيادة للانتقال لمسافات قصيرة، وقد أحبطني الموضوع بشكل كبير.
وفي اليوم الذي قرّر فيه مصرف لبنان رفع الدعم عن المحروقات، كنت أنتقل في الفان. لم أصدّق حينها وتعاملت مع الخبر وكأنّه fake news خبر مزيّف.
عندها بدأت بعض المبادرات الفردية حيث أصبح بعض الأشخاص الذين يودّون الانتقال من الضيعة إلى بيروت يلتقون في مكان محدّد، يتشاركون نفس السيارة، ويتقاسمون التكلفة. لم تكن التجربة سهلة في بداية الأمر لكن مع مرور الوقت تأقلمت مع الوضع وتعرّفت من خلالها على أصدقاء جدد من الضيعة لم اكن اعرفهم قبل، وحتى كنت ألجأ أحياناً إلى ال Autostop.
مع بداية الأزمة الاقتصادية، وكشخص يعشق الفن والثقافة انقطعت كلياً عن زيارة هذه النشاطات. كوّنت حينها وأصدقائي مجموعة واتساب نتشارك من خلالها النشاطات الفنية، وفي نهاية الأسبوع نزور هذه النشاطات كمجموعة حيث التكلفة أقل.
ولكن كان لافتاً أن عدداً من القيّمين على هذه النشاطات الثقافية أدرك حقيقة الموضوع وصعوبة المواصلات وتكلفتها، فبدأوا يسيرون عروضاً فنية وثقافية، ومهرجانات وورشات عمل ومعارض داخل الضيع وفي المناطق النائية.
ولكن على الرغم من هذه المبادرات الفردية الصغيرة فإن على الدولة وفعاليات منطقة عاليه إيجاد حلول سريعة لأزمة المواصلات، على أن تكون هذه الحلول ملائمة لجميع الطبقات وآمنة للأطفال، للنساء والكويريات\ين ومختلف الجنسيات.

المراجع

 

  • 1
    خالد فيّاض فنان، مختص بالإعلان والميديا، ومهتم بقضايا حقوق الإنسان، القضايا السياسية وحرية التعبير.
البنى التحتية صوفر قضاء عاليه لبنان محافظة جبل لبنان
 
 
 

“من لا يستطيع دفع صفيحة الوقود، فليستخدم وسيلة أخرى”

عن الأزمة الاقتصادية والعدالة المكانية

تطال الأزمة كل أشكال المعيشة اليوم في لبنان، لكنّ شكلها الفاقع يظهر بالتحديد على مستوى غياب المحروقات. تكاد تخلو شوارع العاصمة في الأيام الأخيرة من السيارات لكِبَر الأزمة واستفحالها، بينما لا تقدّم السلطة …

إنهيار النقل أو الخريطة المتقلّصة

جزء من ملف “إثنوغرافيات الإنهيار، كباقي الوشم في ظاهر اليد“ يقول ڤالتر بنيامين: “سننتصر على الرأسماليّة بالمشي”. فأمشي، ليس لأنّني أؤمن بنهاية الرأسماليّة -المتأخّرة منها أو غيرها- ولو أنني أرغب ذلك بشدّة، أو …

النقل العام: الدولة تقترض ولا تنفّذ.

قانون رقم 135 المتعلّق بـ «الموافقة على إبرام اتفاقية قرض واتفاقية تنفيذية بين الجمهورية اللبنانية والبنك الدولي». 

صدر في الجريدة الرسمية بتاريخ 2019/7/9 .

“مشروع الطرقات والعمالة في لبنان”: ترقيع الطرقات كمدخل لترقيع الاقتصاد

مشروع قانون متعلق بطلب الموافقة على إبرام اتفاقية القرض الموقّعة مع "البنك الأوروبي للتثمير" بقيمة 151 مليون يورو للمساهمة في تمويل "مشروع الطرقات والعمالة في لبنان".

أحيل من الحكومة، أقرّ في جلسة المجلس النيابي يوم الخميس 14 كانون الأول 2023