المناطق غير المنظمة تشكّل نسبة %80 من كسروان – جبيل
0%
مناطق منظمة
0%
مناطق منظمة جزئياً
0%
مناطق غير منظمة
محافظة كسروان – جبيل
نقدّم في هذا القسم قراءة عمرانية للمحافظات اللبنانية بهدف فهم مدى تنظيم أراضيها، وأوضاعها السكنية، والأملاك العامة فيها، بالإضافة الى تلخيص مقاربة الخطة الشاملة لترتيب الأراضي اللبنانية. كما نبرز ملفات حول تدمير الموارد الطبيعية والاقتصادات المحلية نتيجة عدم مراعاة هذه الخطة الوطنية خلال عقود من تبديد مصالح الناس الاقتصادية، كدعوة للتفكير في هذه القضايا ومشاركة الحقائق عنها والتجارب حولها. ذلك لأنّنا نرى بأن العلاقة بين التخطيط والسكن والمرافق العامة، كما الرؤية الوطنية لها، هي متطلّبات مسبقة لأي نقاش مُنتجٍ حول مفهوم التنمية والعدالة المكانية.
نستند في هذه القراءات الى تحليل جغرافي لمجمل التصاميم التوجيهية الصادرة منذ 1954 حتى 2018، كما الى بلاغات مرصد السكن، وبيانات وزارة المالية لأملاك الدولة الخصوصية.
تنظيم الأراضي
تعتبر ١٩،٨% من مساحة محافظة كسروان-جبيل منظمّة كلياً أو جزئياً بمراسيم صادرة، وهي نسبة توازي تقريباً نسبة المناطق المنظمة على صعيد كامل الأراضي اللبنانية. أمّا المساحة المتبقية فهي إمّا غير منظمّة أو صدر بشأنها قرارات عن المجلس الأعلى للتنظيم المدني. على صعيد الأقضية، يسجل قضاء جبيل النسبة الأقلّ من المساحة المنظّمة (١٠،٤%)، بينما يسجل قضاء كسروان نسبة أكثر ارتفاعاً (%31،3). نلاحظ أيضاً أنّ المناطق الساحلية والمناطق الواقعة حول المدن الرئيسية وضواحيها، حيث الانتشار العمراني الكثيف، هي أكثر تنظيما، بينما تبقى المناطق الأخرى مهملة بشكلٍ اعتباطيّ وتخضع للتنظيمات الجزئية، وهذا ينطبق على مجمل الأراضي اللبنانية وليس على محافظة كسروان-جبيل فقط. لقد كان لواقع التخطيط في لبنان تداعيات جسيمة على محافظة كسروان-جبيل وسكانها، حتّى بالنسبة للمناطق المنّظمة. فبالنسبة لمنطقة الذوق حيث يقع معمل الذوق لإنتاج الطاقة الكهربائية، تمّ خفض معدّل الاستثمار أو تغيير شروط استخدام الأراضي في ٤ مناطق سكنية، جميعها في «الذوق الفوقاني» أي على التلال البعيدة عن المعمل. أمّا في «الذوق التحتاني» فقد أبقى التصميم الجديد عام 1998 معدل الاستثمار المرتفع الذي تم تحديده في التصميم التوجيهي السابق (عام 1973)، وهي نسبة مرتفعة مقارنة مع مناطق ساحلية أخرى، وبمواصفات جغرافية مماثلة. بهذه الطريقة شجّع المخطّط التصميمي الجديد على البناء بشكل كثيف في هذه المناطق التي تشكّل خطراً على صحّة السكان ومصالحهم. ففي حين أن الخطة الشاملة لترتيب الأراضي اللبنانية قد أوصت بتخفيض عدد مواقع إنتاج الطاقة الكهربائية في لبنان وبإقفال معمل الذوق الذي لم يعد ملائماً بيئياً، نرى هنا تدخّلاً لتصاميم توجيهية تقلّص الكثافة السكانية في المناطق الأكثر أمناً وصحة، فيما تشجّع على البناء والكثافة في المناطق الأكثر خطورة على حياة الناس، وتستمرّ نتيجةً لذلك حالات السرطان والأمراض الرئوية بالارتفاع في المنطقة.
الأملاك العامة
تحتلّ محافظة كسروان – جبيل المرتبة ما قبل الأخيرة على صعيد محافظات لبنان من حيث عدد أملاك الدولة العقارية الخصوصية. يصل عدد هذه الأملاك في المحافظة إلى 2229 عقاراً تتوزّع على الشكل التالي: 1573 عقاراً في قضاء كسروان و656 عقاراً في قضاء جبيل. اللافت عدم احتواء هذه المحافظة على أي عقار أميري.
اللافت أيضا وجود عقارين فقط من أملاك الدولة الخصوصية في المحافظة، مسجّلين في السجلات العقارية تحت اسم مصلحة رسمية معنية بالسكن. العقاران المذكوران يقعان في بلدة غادير (قضاء كسروان)، ومسجّلان تحت اسم مصلحة إدارة التعمير تحديداً، من دون أي تفاصيل عن أسباب استملاك هذه المصلحة لعقارات في هذا القضاء– سيما أنّها معنية بإعادة إسكان المهجّرين جراء طوفان نهر أبو علي في طرابلس والزلزال الذي ضرب قرى الشوف والجنوب عام 1956. كما لاحظنا عدم وجود أي عقارات مماثلة مخصّصة للسكن في قضاء جبيل، على الرغم من أن القضاء كان مشمولاً بدراسات وببرنامج عمل لإنشاء مساكن شعبية في الأقضية اللبنانية قادته مصلحة الإسكان في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بين العامين 1972 و1976.
نجد أيضاً ضمن أملاك الدولة العقارية في المحافظة عقارات مُسجّلة باسم مصرف لبنان. يبلغ عدد هذه العقارات 112 عقاراً وهي موزّعة بشكلٍ شبه متساوٍ بين قضائَي كسروان (57 عقاراً) وجبيل (55 عقاراً)، مع مساحة إجمالية تصل إلى 825867 م2، أي حوالي 2% من المساحة الفعلية الإجمالية التي يملكها المصرف بحسب عدد أسهمه على صعيد لبنان.
أما في ما يخصّ الأراضي المشاع في المحافظة، تحجز بلدة جاج (قضاء جبيل) موقعها في المراتب العشرين الأولى بين البلدات – على صعيد لبنان – من حيث عدد الأراضي المشاع فيها، إذ تحتوي على 39 عقاراً مشاعاً.
أما أملاك الدولة العمومية التي تُعتبر محمية باعتبار أن الدولة لا تستطيع التصرّف بها أو بيعها، فقد ابتكرت السلطة مخارج مقوننة تسمح بالتخلّي عنها، وذلك من خلال إصدار “مراسيم الإسقاط”. استطعنا في استديو أشغال عامة تعداد مراسيم الإسقاط منذ العام 1922 لغاية تاريخه، وتحليلها من ناحية المضمون والوتيرة والتوزّع الجغرافي.
تبيّن من خلال التحليل أن محافظة جبل لبنان تحتلّ المرتبة الثانية على صعيد لبنان من حيث عدد الإسقاطات، بعد محافظة؟؟[sk1] . يبلغ عدد مراسيم الإسقاط في المحافظة 143 مرسوماً – أي ما يعادل 17% من إجمالي عدد المراسيم الصادرة. تتوزّع هذه المراسيم على الشكل التالي: 93 في قضاء كسروان؛ 50 في قضاء جبيل. أما أبرز ما تمّ إسقاطه في المحافظة فهي أملاك عمومية غير محدّد نوعها، وأملاك عمومية نهرية، وأملاك عمومية بلدية.
بالنظر إلى الأرقام يمكن ملاحظة أن مراسيم الإسقاط في قضاء كسروان وحده تشكّل 11% من إجمالي مراسيم الإسقاط الصادرة على الصعيد الوطني. ويُلاحَظ أن نسبة إسقاط الأملاك النهرية تسارعت بعد عام 2006، بعد أن استلم التيار الوطني الحر وزارة الطاقة والمياه بدءاً من عام 2008 ّ، وحيث يُعتبر هذا القضاء أحد الدوائر الانتخابية الأساسية لهذا التيار.
مقاربة الخطة الشاملة لترتيب الأراضي اللبنانية
تحدد الخطة الشاملة لترتيب الأراضي اللبنانية أبرز التحديات التي تطال المناطق اللبنانية كافة. بالنسبة لمحافظة كسروان-جبيل، تحتضن المنطقة الساحلية في هذه المحافظة العديد من المواقع الطبيعية التي تشكلّ إحدى أهم عوامل الجذب السياحي، ما يشكل ميزة اقتصادية لا اجتماعية فحسب، ومن هذه المواقع خليج جونيه، كما يقع أكبر الحيّزات[sk2] الطبيعية بين البترون وجونية. تتعرض هذه المناطق الطبيعية لضغط مستمر جراء المضاربة العقارية التي تتآكلها تدريجياً، إما بشكل تمدّد طبيعي للمدن باتجاهها وإما بشكل تناثر بعض الأبنية في قلب المناطق الطبيعية. أما الأراضي الواقعة مقابل البحر، فهي مرغوبة على وجه الخصوص بسبب إمكانية الاستفادة منها للنشاط السياحي عبر مشاريع ردم وإقامة المرافئ والمجمعات الترفيهية، كما يتجلى في بعض الأحيان على شكل تعديات على الأملاك العامة البحرية. حددت الخطة الشاملة لترتيب الأراضي أيضاً المواقع الأكثر خطورة من حيث تسرب الملوثات باتجاه المياه الجوفية، بعض هذه المواقع مبنيّ وبعضها مزروع وبعضها الآخر ما زالت أرضاً بور، تتواجد بعض هذه المواقع المعرّضة للخطر في كسروان وجبيل. كما تتعرض المنطقة لمخاطر طبيعية أخرى كانزلاقات التربة على الحافات الشديدة الانحدار لبعض مجاري المياه مثل نهر ابراهيم ونهر الكلب.
من جهةٍ أخرى، إن مضاعفة العدد الإجمالي لمستخدمي السيارات نظراً للنمو الديموغرافي المتوقّع سيطرح مشاكل عدّة متعلّقة بالبنى التحتية في لبنان، ولاسيما في المنطقة المدينية المركزية، أي بيروت الكبرى وجبل لبنان والتي تشكلّ محافظة كسروان جبيل جزءاً منها. يواجه لبنان بشكل عام تحدياً جدياً للمحافظة على بيئة سليمة في السنوات المقبلة.
الخيارات والتوجهات التي تحددها الخطة الشاملة:
ملاحظة: لا يتبنى استوديو اشغال عامة بالضرورة كافة الطروحات، بل يعتبرها أساسية لإطلاق نقاش مستنير حول نوع التنمية التي نريد في المناطق.
- تقوم الخطة الشاملة على مبدأ إنماء كل منطقة من المناطق الكبرى (الشمال، المركز، الشرق والجنوب)، على أن يكون الإنماء أكثر توحيداً وتكاملاً. فتنتظم وحدة الانماء في كل منطقة حول نواة عمرانية قوية. لا يتأتّى الإنماء الاقتصادي عن طريق توزيع التجهيزات الصغيرة في كل بلدة وقرية، بل عن طريق الاستثمارات الصناعية والخدماتية ذات المستوى العالي. تعتمد مشاركة كل المناطق اللبنانية في إنماء الاقتصاد الوطني على خيار الإنماء المتكامل للوظائف العليا في أربع مجموعات سكانية كبرى تنتظم المدن والقرى حولها وهي: الشمال وعكار أولاً ، البقاع وبعلبك الهرمل حول مدن زحلة – شتورا وبعلبك ثانياً، الجنوب والنبطية حول مدن صيدا والنبطية وصور ثالثاً، ومرتفعات جبل لبنان حول المنطقة المدينية المركزية رابعاً.
- بالنسبة لمحافظة كسروان جبيل، فهي تأتي ضمن الهيكلية المدينية لبيروت وجبل لبنان. وتقع ضمن الحلقة الثانية من المنطقة المدينية المركزية التي تشمل التجمعات العمرانية في جونية وبكفيا وبرمانا وعاليه والدامور. إن التحدي الأساسي الذي يُطرح فيها يتناول موضوع تنظيم الحلقة العمرانية الثانية، كونها المنطقة الأساسية لاستيعاب النمو الديموغرافي والمديني المرتقب لكل المنطقة المدينية المركزية. لذا ينبغي الإهتمام بتنظيمها، وهذا يمر أولاً بتحديد هيكليتها المدينية الرئيسية والتي تقترح الخطة أن تقوم على مجموعة الأقطاب المحلية منها جونيه في منطقة ساحل كسروان وعجلتون في وسط كسروان من الجهة الشمالية.
- تشمل المنطقة أيضاً تجمعاً عمرانياً مهماًّ في جبيل – عمشيت. تتميّز مدينة جبيل بموقعها الجغرافي عند أبواب المنطقة المدينية المركزية، دون أن تشكل جزءاً منها. ويتمثل دور المدينة بوظيفتها كمدينة عبور فاصلة بين المنطقة المدينية المركزية والمناطق الشمالية. ينبغي الاستفادة من موقع جبيل من خلال التركيز على حركة الناس والبضائع عند مداخل المنطقة المدينية المركزية. وهذا يفترض تعزيز النشاط التجاري فيها، بالإضافة إلى الخدمات الإدارية وتوزيع البضائع. تتمتع جبيل أيضاً بمزايا مهمة على الصعيد السياحي (آثار فينيقية، رومانية، شواطئ، مناطق تراثية)، وبدور تجاري يمتد إلى كامل القضاء وصولاً إلى مناطق أخرى في الأقضية المجاورة.
- أما بالنسبة للبلدات المحيطة بمدينة جبيل، فهناك عدد من المناطق الصناعية القابلة للتطوير شرط احترام السلامة العامة، وخصوصاً حماية المياه الجوفية من التلوث. وفي القرى البعيدة يمكن تطوير أنشطة اصطيافية وسياحة بيئية وريفية. هذا ما ينطبق على وادي نهر ابراهيم مثلاً لما يتميز به من مناظر طبيعية، شرط تنظيم مظاهر هذه التنمية كي لا تفسد مزايا هذا الموقع الفريد. إضافةً إلى ذلك، تقع بعض المناطق الريفية على المرتفعات خارج المنطقة المدينية المركزية وتجمّع جبيل – عمشيت، في أعالي جبيل وأعالي كسروان، وتُعتبر كثافة السكان فيها غير مرتفعة. تحتاج هذه المناطق لسياسات خاصة تساهم في إبقاء سكانها فيها، من خلال لحظ أنشطة على مدار السنة بحيث تحافظ على نشاطها. و كما في بقية المناطق تقتضي هذه السياسة لحظ مجموعة من الأقطاب المحلية التي تتمركز فيها الخدمات والمرافق، وهي قرطبا في مرتفعات نهر ابراهيم وميروبا في مرتفعات كسروان.
- فيما خصّ الأنشطة الاقتصادية المقترحة في المدن والقرى المتواجدة في نطاق الحلقة العمرانية الثانية فهي تتركز بشكل أساسي في ميادين السياحة والترفيه، إذ تُعتبر جونيه مركزاً مهماً للسياحة والاصطياف. أمّا البلدات الواقعة في المناطق الطبيعية والزراعية على المرتفعات، فتستطيع الاستمرار في استغلال ثروتها الزراعية التي تؤمنها بساتين الأشجار المثمرة في الجبال العالية، والخُضار في أعماق الأودية، والزراعات المتنوعة التي توفرها متغيرات مستويات الارتفاع.
- توصي الخطة الشاملة أيضاً بالحفاظ على مجموعة من مناطق الثروة الطبيعية الوطنية وغابات الأرز والشوح واللزّاب الموجودة على السفح الغربي لسلسلة جبل لبنان وغابات الصنوبر على السفوح الغربية لسلسلة جبل لبنان بين الساحل و١٥٠٠م، كما الحفاظ على المواقع الساحلية وحمايتها ضد أي تغيير في هيئتها الأصلية أو تأهيلها إلى وضعها الأصلي مثل شواطئ جبيل الجنوبية والشمالية، ومرفأ الصيادين في جبيل، والموقع الأثري في جبيل وواجهته البحرية، ورأس المعاملتين، وخليج جونيه والكورنيش البحري حوله.
تدمير الموارد الطبيعية: قضايا بارزة
لعلّ أبرز القضايا في محافظة كسروان جبيل هي الأزمة البيئية والصحية الناجمة عن معمل الذوق الحراري، التدمير البيئي لمشروع سد جنّي وإنشاء منطقة صناعية في منطقة الحصون.