وافق محافظ بيروت مروان عبود في 24 تموز 2024 على اقتراح دائرة الحدائق في بلدية بيروت بإغلاق حرج بيروت والسماح فقط للرواد الذين يستحصلون على إذن مسبق من المحافظ، وذلك للأسباب التالية والمذكورة في الكتاب الذي تقدمت به دائرة الحدائق إلى المحافظ:
- وقوع حوادث متكررة، كالسرقات والتعدي على المنشآت والمغروسات وجهاز الري،
- عدد الرواد الكبير خاصة نهاية كل أسبوع، ممّا يزيد من وقوع الأضرار،
- إطلاق مشروع إنشاء مسلك للدراجات الهوائية وتأهيل الحمامات وزرع الشتول (ممول من البنك الألماني للتنمية عبر برنامج الأمم المتحدة UNOPS)، لضمان استمرارية الأعمال بشكل فني جيد.
على ضوء هذا القرار، تم إبلاغ حرس بيروت بالقرار الذي باشروا بتطبيقه فوراً. وبشكل ملفت، وافق محافظ بيروت على الكتاب في اليوم ذاته، دون التفكير أو استشارة جهات اخرى.
وفي سؤال لآمر السرية الأولى في فوج حرج بيروت هيثم سعيفان (في مقابلة معه على إذاعة النور) حول آلية منح إذن الدخول، جاوب أن “حالياً لا نمنح إذن خطي، إنما من خلال تسجيل الإسم لدى العناصر على مدخل الحرج، وهم يبلغوني يومياً بلائحة الأسماء، وأعطي إذن الدخول شفهياً لليوم التالي. أكيد مع التشدد على عدم دخول العائلات بسبب التعديات على المغروسات وشبكة الري وموضوع النظافة.”
يشكل قرار الإغلاق حدثاً خطيراً، إذ أنه يعيدنا خطوات إلى الوراء، إلى ما قبل 2015 عندما فُتح حرج بيروت بعد نضال طويل من قبل مجموعات مجتمعية عدة، من ضمنها جمعية “نحن” و”الخط الأخضر” الى جانب مواطنات\ين كانوا قد قدّموا طلباً لبلدية بيروت ولمحافظها بوجوب إلغاء جميع القرارات الصادرة عنها والآيلة الى تقييد دخول حرج بيروت، تحت طائلة اللجوء الى مجلس شورى الدولة. في ذلك الوقت، وقبل أيام قليلة من فتحه، كان المحافظ زياد شبيب قد أعلن أن “قرار اقفال حرش بيروت هو غير قانوني“.
اليوم، ليس قرار المحافظ غير القانوني إلّا تأكيد على مدى تخاذل الدولة الممنهج والدائم في فتح المساحات العامة وإدارتها وحراستها وتعزيز دورها كمساحات عامّة مفتوحة لكافّة سكّان المدينة، واستهتارها بأهميّة هكذا مساحات عامة ودورها في مدينة مكتظة كمدينة بيروت.
إن الحدائق العامة هي مساحات عامة مجانية مفتوحة للعموم، لا يجوز إغلاقها إلا بحكم الضرورة ولمصلحة العامّة. ولا تشكّل الأسباب المعطاة في قرار الإغلاق ضرورةً، حيث إن لبلدية بيروت موارد كافية تخوّلها إدارة حرج بيروت وإعطاء كافة الإهتمام لهذه العملية وتدعيمها بالفريق المناسب من حرس بلدية بيروت. وحتماً لا يعتبر مشروع “إنشاء مسلك للدراجات الهوائية وتأهيل الحمامات وزرع الشتول” عذراً أو ضرورةً لإغلاق كافة الحرج. وفيما يذكر سعيفان في مقابلته على إذاعة النور أنّ هذا الإغلاق مؤقت الى حين الإنتهاء من تنفيذ المشروع، إلّا أنّ القرار نفسه لا يذكر ذلك ولا يحدّد مدّة زمنية من شأنها أن تضمن حق السكان في هذه المساحة. في الحقيقة، تتعاطى بلدية بيروت مع الحدائق العامّة كهبة تتمنّن بها على الناس، تمنعهم عنها وتهبهم إياها متى شاءت، من خلال خطاب يقول بأن الناس غير قادرين على استخدام الحدائق العامة، وغير ناضجين بما يكفي لاحترام المكان.
تشكّل الحدائق العامة ضرورة قصوى للحفاظ على سلامة الناس الجسدية والنفسية وحقّها في التمتع بأماكنها العامة. فضلاً عن أن التمتّع بها مصان في القوانين اللبنانية ومكرّس في المعاهدات الدولية التي وقّع لبنان عليها، لا سيّما “الميثاق العالمي للحق في المدينة”. على محافظ وبلدية بيروت إلغاء هذا القرار، كما الاستجابة إلى العريضة التي وقّعت عليها في العام 2022 41 جمعية ومجموعة بيئية وأهلية وسياسية، والتي تطالب بفتح كافة الحدائق العامة المغلقة في بيروت.