قام نواب من تكتل “الاعتدال الوطني”، يوم الاثنين 24 حزيران، بزيارة وزير الداخلية بسام مولوي، لحثّه على ضرورة السماح للبلديات بإعطاء رخص للبناء لأبنية لا تتجاوز مساحتها الـ 150 متراً، من أجل “تلبية حاجات المواطنين، ولا سيما في عكار والمنية والضنية وكل الشمال.” نتيجة اللقاء – وذلك بحسب الوكالة الوطنية للإعلام – أكد مولوي للنواب أنه “في صدد إصدار قرار يعطي الإذن للبلديات بإعطاء رخص بناء، خلال اليومين المقبلين، لتسيير شؤون المواطنين.”
هذه ليست المرة الأولى – بحجة “تسيير أمور المواطنين” – التي يُقترح فيها تعاميم وقرارات تسمح لرؤساء البلديات بمنح تصاريح بناء بمساحة 150 متر مربع من دون التقيّد بإلزاميّة الرخصة ومن دون مراعاة قانون البناء. فقد صدرت سابقاً عن وزارة الداخلية سلسلة من التعاميم تجيز منح تصاريح بناء عبر البلديات، وصل عددها 18 تعميماً خلال الفترة الممتدة بين 2004 و 2013، بحسب الوزير نهاد المشنوق. لا تخضع هذه التصاريح إلى رقابة مهندسٍ\ة مسؤول\ة ونقابة المهندسين، فأدّت إلى انتشار آلاف الأبنية التي لا تراعي الأصول الهندسية تأميناً للسلامة العامة، وإلى تسريع تدهور البيئة المبنية ومعالم البيئة الطبيعية المحيطة بها؛ معرّضةّ حياة الناس للخطر في ظلّ غياب أي إجراءات رقابية مناسبة. ويذكر في هذا الصدد وعلى سبيل المثال أن الانهيار الجزئي في مبنى مسلماني في حي عرسال (صبرا) في 17 شباط 2024، كان سببه الشرفة التي كانت قد أُضيفت إلى المبنى في حدود عامي 2013 و2014، مستفيدةً من تعميم أصدره وزير الداخلية آنذاك مروان شربل.
كما تشكّل هذه التعاميم خرقاً وانتهاكاً لأبسط مبادئ المصلحة العامة. فإنّ طابعها الاستثنائي واللاقانوني – بحجة الاستجابة لحاجات السكن من خلال توسيع نطاق تصريح البناء – يكرّس وضعاً شاذاً يجعل من عملية البناء وتأمين السكن عملية عَرَضية وظرفية تلبّي خدمة بدلاً من أن تستجيب إلى حق. كما لا يجدر أن يكون “تسيير الأمور” الطريق نحو إلغاء التشريعات والقيود التي تُعنى بالذات بحياة الناس وصحتهم. بالإضافة إلى ذلك، فأنّ أطر “الخدمة” التي كرّستها التعاميم خلال العقود الماضية تجعل الناس “متلقين للهبات”، ليصبحوا مدينين لشخص أو للأحزاب السياسية التي منحتهم هذه الخدمة. وعليه، يضحي هؤلاء مجردين من أي حقوق، ممّا يُعتبر باباً مشرَّعاً لإعادة إحياء الولاءات أو تدعيمها. هكذا، باتت التعاميم تكريساً للزبائنية، تُستخدم بمثابة عُرف في وزارة الداخلية، رامية عرض الحائط سلامة الناس وأمانهم، في الوقت ذاته.
من جهة أخرى، تشّكل التعاميم جزء لا يتجزأ من غياب الرؤية الشاملة الذي لطالما ميّز عملية صنع السياسات العمرانية. ففيما تتطرق التعاميم إلى تحدٍ حقيقي يجب الاستجابة له عبر سياسات واقعية، وهو أنّ الأرض في لبنان أصبحت عقاراً ذو ثمن مرتفع بسبب رفض صانعي السياسات الاعتراف بقيمته الاجتماعية، وفي حين تتيح هكذا تعاميم إضافة طابق أو توسيعه على أرض زراعية لتسهيل تأمين السكن لمن يعانون من الحصول عليه، فإنّ التعاميم تبقى قاصرةً عن صون مصلحتهم باعتبار أن الإشكالية الأساسية تكمن في السياسات التي تمنعهم من الوصول إلى الأرض بشكل عادل يتناسب مع حاجاتهم.