في عز تفاقم الأزمة الاقتصادية وازدياد معدلات الفقر وتوسّع رقعته، مع ما يترافق ذلك من مظاهر التشرّد أو التسوّل في الطرقات أو البحث عن مصادر دخل بديلة كظاهرة نبش النفايات، تُطالعنا بلدية بيروت كما يفيد بيان دائرة العلاقات العامة الصادر في 16-12-2021 ب”حملة لفوج حرس بيروت على المتسولين ونابشي النفايات في شارع الحمراء”.
ويشير البيان إلى شروع قوّة من فوج حرس المدينة بطرد المتسولات\ين اللواتي والذين يفترشون الأرصفة والطرقات في شارع الحمراء بحجة أنهم يتعرّضون للمارة. كما يفيد البيان عن ملاحقة عدد من “نابشي” النفايات وتوقيفهن\م ومصادرة عرباتهن\م تحت ذريعة أنهن\م يقومون برمي محتويات النفايات التي ينبشونها على الطرقات، ممّا يسبّب تكاثر الحشرات والقوارض وانبعاث الروائح الكريهة. ويبشّر البيان سكان مدينة بيروت أنّ هذه الإجراءات ستتابع بشكل متكرّر في الشوارع الرئيسيّة وعلى التقاطعات وفي الأسواق التجارية في المدينة.
تعيش بلدية بيروت -كما الدولة- حالةً من الإنفصال عن الواقع. ففي حين تتنامى معدلات الفقر، ويضرب العوز أغلب العائلات والأفراد، تغيب سياسات الدولة للتعامل مع نتائج الأزمة الاقتصادية المتفاقمة وتأثيرها على المجتمع، وتبادر البلدية بإجراءات أقلّ ما يقال عنها أنّها سحق إضافيّ للفئات الأكثر ضعفاً في هذا المجتمع. تقع مسؤوليّة مكافحة الفقر على عاتق الدولة التي لا تنكفئ تتملّص من مسؤولياتها. فبدلاً من طرد متسولات\ين ومشرّدات\ين، على الدولة وضع سياسات دعم إجتماعي عادلة وتأمين سكن بديل؛ وبدل القبض على “نابشي” النفايات كان من الأجدى خلق فرص عمل في مجال فرز النفايات ومعالجتها- وهي عملية تغيب أيضاً عن ذهن المسؤولين. فالرائحة الكريهة في المدينة تعود إلى تجمّع النفايات في الطرقات في ظلّ غياب خطة لمعالجة أزمة النفايات. وقد نجحت السلطة في تحويل النفايات من ثروة يمكن أن تخلق قطاعاً منتجاً إلى نقمة تجعل سكان المدينة تحت رحمة الشركات الخاصّة التي تجمع النفايات عبر مناقصات مشبوهة ومن دون أي متابعة أو محاسبة.
لا فخر للبلدية فيما تفعله، ولا خير يأتي من التعامل مع أشخاص وقاصرات\ين فقدن\وا أدنى حقوقهن\م، على أنهن\م مجرمين. وفيما تحاول البلدية “تنظيف” الشوارع والأرصفة ممّن لا يملكن/يملكون شيئاً، تتصرّف وكأنّها تنفّذ سياساتٍ مدينية قادرة على تحسين واقع المساحات العامة ونوعية الحياة في المدينة. أمّا في الحقيقة، فالدولة (لا البلدية فقط) اليوم لا تتراجع عن مسؤولياتها بتأمين الأساسيات للناس خلال أسوأ انهيار اقتصادي يضرب لبنان فقط، بل تتحوّل أيضاً إلى ديكتاتور صغير يضرب كلّما أتيح له، الأضعف والأفقر والأكثر حرماناً.
لا يملك اللواتي والذين يتسوّلون اليوم، خياراً غير النوم في الشارع ونبش النفايات؛ وطردهن\م من الشارع لن يحلّ المشكلة، بل سيجعل حياتهن\م أصعب، ويدفعهن\م للبحث عن رصيف آخر ينامون عليه، وحاوية نفايات أخرى للنبش. غياب الخيارات هذا، هو صنيعة السلطة.