تقدّم نائب المنية أحمد الخير في أيلول 2023 باقتراح قانون يرمي إلى تمديد تقديم طلبات تسوية الآبار المحفورة غير المرخّصة، ويستند فيه إلى “قانون المياه” (الصادر عام 2020) على أنّه “يحق للمنتفعين من مياه الآبار الجوفية المحفورة دون ترخيص، الحصول على ترخيص استثمار لها بعد تقديم طلبات بتسوية أوضاعهم” ضمن مهل محددة.
يوجد في لبنان اليوم ما يزيد عن 80 ألف بئر غير مرخّص (إن لجهة التنقيب أو الاستثمار)، فيما لم يتمّ تقديم طلبات التسوية سوى بشأن 300 فقط؛ وبناءاً على ذلك يطلب النائب تمديد المهل، مضيفاً أن من شأن ذلك زيادة مداخيل الدولة المالية نتيجة تحصيل الرسوم والبدلات.
تتكاثر الآبار في لبنان لحل مشكلة شح المياه في الاستهلاك المنزلي والصناعة وحتى السياحة. ومن خلال الآبار تستخرج كميات كبيرة من المياه بكلفة أقل خاصة مع تزايد كفاءة خلايا الطاقة الشمسية وانخفاض أسعارها. كما يعتمد المزارعون على الآبار بسبب تلوّث قنوات الري الزراعية، كقنوات مشروع الليطاني، فيلجأون إلى أخذ قروض لحفر آبار ارتوازية، ممّا يرتّب أيضاً ارتفاعاً في أسعار المواد الغذائية تزامناً مع أزمة المازوت، ومع الحاجة لتغطية تكلفة تركيب الطاقة الشمسية.
نتيجةً لذلك، يتم استنزاف المياه الجوفية، بالإضافة إلى تعزيز مصالح بيع المياه بالصهاريج التي أصبحت قطاعاً قائماً غير رسمي، تماماً كمولّدات الكهرباء.
إذاً، يكمن الخطر الحقيقي ليس في تمديد مهل القانون المقترح، إنّما في قانون المياه نفسه الذي يكتفي بتسوية أوضاع الآبار غير المرخصة، ويغيّب مبدأ حماية المياه الجوفية، عبر عدم تحديد ماهية الشروط أو الضوابط على من يرغب باستخراج المياه الجوفية.
من نتائج حفر الآبار من دون ضوابط أو شروط هو تسرّب المياه المالحة إلى المياه الجوفية في المناطق الساحلية، ممّا يؤثر على الزراعة الساحلية؛ بالإضافة إلى تسرّب مياه الصرف الصحي إلى مياه الآبار وتفشي جرثومة الـ e-coli (الإشريكية القولونية)، التي ارتفعت نسبتها في مياه لبنان بحسب فحوصات جرثومية أجريت لعيّنات المياه من عدد من الآبار، ممّا يؤدي إلى أمراض عدة، مثل التهابات الأذن (عند دخول المياه الملوثة في الأذن أثناء الاستحمام)، بالإضافة إلى تأثيرات أكثر خطورة، كالتهاب المعدة والأمعاء والقولون.
لحماية المياه الجوفية ومقاربة الآبار بشكل مستدام، لا بدّ من إرساء ضوابط وتوجيهات، ربما انطلاقاً من نموذج “البئر العربي” الذي لطالما اعتمد عليه المزارعون القدامى، حيث يتم تحديد المناطق المناسبة للحفر والتي تتواجد فيها المياه، على أن لا يتجاوز الحفر -ويجدر أن يكون يدوياً- الـ ١٥ متراً. وتشمل التقنية ما يُعرف بالبئر النزّاف، أي تحديد “شريان” مصدر للمياه قبل النزول إلى الطبقة السفلى في باطن الأرض. ويُذكر أنّ مبادرة “سكة صيدا” نفذت هذه التقنية لحفر آبار في صيدا بتوصية من “الحركة الزراعية”، لأن صيدا، كما يراها أهلها، تعوم على المياه.
تلجأ السلطة دوماً لسياسة التسوية – إن كان عبر اقتراح القانون هذا أو قانون المياه الصادر أو تسوية مخالفات البناء وغيرها. في النتيجة، وفي ظلّ غياب المعايير والشروط لحماية المياه الجوفية، يتفاقم نظام استغلال الأرض ومواردها، لا سيّما أنّ حفّاري الآبار يتقاضون بالساعة، ممّا يعني بأنّ لديهم مصلحة في الحفر على أعمق مستوى.