المباني مهجورة. الناس بعدها بتتهجّر. صوتنا لقوانين تضمن الحق في السكن
تشكل نسبة المباني المهجورة في #الباشورة الأعلى مقارنةً بأحياء أخرى في بيروت. 10% من المباني التي قمنا بإحصائها في المنطقة هي اليوم مهجورة.
تبعد منطقة الباشورة خمسة دقائق سيرًا على الأقدام عن وسط البلد وخمسة دقائق أخرى عن مونو، إلاّ أن الأتوسترادات الأربعة التي تحدّها؛ فؤاد شهاب شمالاً، سليم سلام غربا، الاستقلال جنوباً، وبشارة الخوري شرقاً؛ جعلت المنطقة مفصولة عن محيطها.
اليوم المنطقة مستهدفة بسبب المضاربات العقارية لميزة موقعها الجغرافي. كما تتميز بنسيج عمراني مختلط بين البيوت القديمة لعائلات ميسورة والأحواش، كحوش مطر، وهو حي عتيق يتفرع بأزقة عن شارع الخندق الغميق وعلى حدود مقبرة الباشورة التي يفصلها عنه زاروب الحرامية. تتكون الأحواش من غرف صغيرة متلاصقة حول مساحات مفتوحة وباحات مشتركة، نمت في الخمسينات مع الهجرة من القرى، ووفّرت سكنًا لعمّال في المرفأ أو في وسط البلد.
حرب ١٩٥٨ كان لها دور في تغيير ديموغرافيا الباشورة، كما أن الحرب الأهلية دفعت إلى موجة نزوح جديدة. الحركة التجارية اليوم منتعشة في المنطقة وتتمثل بدكاكين صغيرة وحرفيين ومناجر خشب وتجارالعتق وكاراجات ميكانيك، كما ومطابع صغيرة ومصانع أختام على مشارف مقبرة الباشورة. تضم الباشورة سوق النجارين، وسوق اللحامين، وسوق العتق وسوق القزاز.
هنالك ٣٠ مبنًى مهجورًا في حي الباشورة، ٢٩ مبنًى مصنفًا أثريًا و ٨ مباني مهجورة ومصنفة. تشكل هذه الأبنية وبعضها مصدّع من جراء الحرب، مشهدًا استخدمه كثير من المخرجين في أفلامهم عن الحرب الأهلية.
مقتطف من مشروع “رسم خريطة الباشورة”
قصة سناء والسكن في حيّ مار مخايل
تسكن سناء، المعلّمة الثانوية، في حيّ مار مخايل في بيروت منذ عقود. مكّنها عقد الإيجار القديم من البقاء في الحيّ والحفاظ على بيتها في ظل الإرتفاع الخيالي لأسعار العقارات. إلاّ أن سكن سناء مهدد بفعل قانون الإيجارات الجديد الذي ينوى رفع قيمة إيجار بيتها إلى ١٢٠٠$ شهرياً، ما يساوي ثلتين ما تجنيه من عملها كأستاذة منذ ٤٢ سنة!
شاهدوا رواية سناء واستمعوا إلى قصتها مع بيتها.
يوثّق «مرصد السكن» مرويّات التهديد بالإخلاء الذي يتعرض له سكّان بيروت، كالمستأجرين القدماء والذين يشكّلون ٢٠٪ من سكّان المدينة، والمستأجرين الجدد الذين يعانون من السكن الهش وعدم الإستقرار.
يهدف المرصد إلى قراءة هذه الوقائع كسيروراتٍ واسعةٍ تحدث في المدينة، وتحويل النضالات السكنية الفردية إلى همٍ عام.
بيروت مدينتي ومن حقي البقاء فيها
ظروف السكن في بيروت اليوم هي نتاج عوامل عدّة: نموّ المضاربات على الأراضي وسيرورة الأموَلة، وغياب تنظيمات البناء والتخطيطات التي تحفظ النسيج الاجتماعي والمديني، وتدخلات الدولة التي تمنح الأولوية للتطوير المديني الحصري، وتهجير السكان، وعمليات التهميش والإخلاء الواسعة.
الشقق فاضية. القروض وقفت. صوتنا لقوانين تضمن الحق في السكن.
تشكل نسبة المباني والشقق الخالية في راس بيروت الأعلى مقارنةً بأحياء أخرى في بيروت. ٢٠% من الوحدات السكنية في المنطقة التي قمنا بإحصائها ضمن راس بيروت هي اليوم خالية. يعود ذلك إلى عدد من الأسباب، منها الحرب الأهلية، والتفاوت ما بين العرض والطلب، والإخلاء الممنهج الذي يتعرض إليه المستأجرون والمستأجرات القدامى. إذا نظرنا إلى فئة المباني الخالية كاملة والخالية باستثناء الطابق الأرضي – والتي يصل عددها إلى ٤٢ مبنى – تشير الأرقام إلى أنّ السبب الأساسي في ذلك هي عملية الإخلاء. نجد ١٤ مبنى خالياً بسبب الإخلاء (٨ منهم للهدم)، مقابل ٧ مبان جديدة (تمّ تشييدها خلال السنوات العشر الماضية) خالية تماماً ولا يسكنها أحد. تشكل هذه الفئة من المباني دليلاً على التناقض الكبير ما بين الشقق الجديدة المعروضة للبيع أو للإيجار من جهة، وحاجات وطلب الشريحة السكانية التي ترغب بالعيش في راس بيروت من جهة ثانية. هناك أيضاً ١١ مبنى خال منذ سنوات الحرب الأهلية، وفي الكثير من الأحيان تعود ملكية هذه المباني إلى مستثمرين إشتروا مباني تاريخية مهجورة ولم يشغلوها، يُذكر أنّ ٤ منها تم هدمه مؤخراً بالرغم من تصنيفهم. رصدنا حالات إخلاء وتهديد بالإخلاء (سواء سكني أو تجاري) في ٢٧ مبنى، ٩ منهم بداعي الهدم، وعدد منها لم يُهدم، الأمر الذي يخوّل المستأجرين والمستأجرات قانوناً أن يطالبوا بمزيد من التعويض. هناك أيضاً ٨ مبان من أصل ٢٧ حيث حصل الإخلاء أو التهديد به بعد إنتقال ملكية المبنى من المالكين القدامى إلى مستثمرين جدد. كما وجدنا أن ٣٢% من الوحدات السكنية التي تمّ إخلاؤها (١٥٦ عائلة) أو المهددة بالإخلاء (١٨ عائلة) حصلت بعد صدور قانون الإيجارات الجديد، أيّ في فترة زمنية قصيرة لا تتعدى الثلاث سنوات. يشير ذلك إلى أنه، وبالرغم من كثافة الإخلاءات التي كانت تحصل بضغط السوق، شكّل القانون الجديد وسيلة ضغط كبيرة على السكان وأداةً للإخلاء الممنهج. كما وجدنا أن ٤٢% من كافة الإخلاءات (أو التهديد به) إن كان للبيوت السكنية أو المحال التجارية ارتبطت بداعي الهدم وإعادة استثمار الأرض بشكل أكبر.
مقتطف من «راس بيروت: مرويات عن السكن في المدينة»