أعلنت وزارة الخارجية الفرنسية عن مؤتمر دولي مخصص للبنان، “يجمع الدول الشريكة للبنان والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والمنظمات الدولية والإقليمية والمجتمع المدني”، سيعقد في باريس يوم الخميس 24 تشرين أول. يهدف المؤتمر بحسب الوزارة إلى تعبئة المجتمع الدولي للاستجابة لحاجات الحماية والإغاثة الطارئة، وتحديد سبل دعم المؤسسات اللبنانية، كما والدعم المالي لصيانة البنى التحتية، ومحاولة التفاوض على وقف إطلاق النار كخطوة أساسية. ويبلغ مجموع الدعم المطلوب من خلال هذا المؤتمر حوالي مليار دولار أميركي ويغطي مدّة ستة أشهر.
وكان قد عُقد اجتماعٌ في السراي الحكومي في بيروت في 1 تشرين الأوّل 2024 بين المنظمات الدولية (منظمات الأمم المتحدة والدول الأعضاء والمجتمع الدولي والشركاء المحليين والدوليين) ومختلف الوزارات اللبنانية بهدف حشد دعم دولي لتقديم المساعدات للبنان. وأطلق على إثره رئيس الوزراء نجيب ميقاتي ومنسق الشؤون الإنسانية في لبنان عمران ريزا النداء الإنساني العاجل للبنان بقيمة 426 مليون دولار أميركي لتلبية الاحتياجات الإنسانية العاجلة للمدنيين المتضررين.
يتضمّن هذا النداء تفاصيل التمويل المطلوب بشكل أولي للمنظمات والجهات الإنسانية لتقديم المساعدة الإنسانية والحماية الفورية بهدف تأمين أعمال الإغاثة لحوالي مليون شخص ولمدّة ثلاثة أشهر، مع العلم أنّ الأرقام التي يتضمّنها هذا النداء هي أرقام أولية وقد يجري تعديلها بناءً على ما يتوفر من معلومات وتطورات حول الأوضاع الإنسانية والاستجابة المطلوبة. يشمل النداء مساعدات مخصصة للتعليم، الغذاء، الرعاية الصحية، الحماية، المساعدات الاجتماعية الأساسية، المأوى، الخدمات البلدية وغيرها. ويجدر الإشارة، إلى أنّ المبلغ الأعلى مرصود “للأمن الغذائي والزراعة”، تليه “المساعدات الأساسية”، بينما تمّ رصد مبلغ 44.5 مليون دولار أميركي لتأمين المأوى ويستهدف حوالي 700 ألف شخص. لكن من الواضح أنّ هناك حاجة لزيادة هذا التمويل لكون عدد النازحين فاق المليون وثلاثمائة نازح\ة، وهو رقمٌ قابل للارتفاع، كما وأنّه غير نهائي بسبب وجود عدد ملحوظ من النازحات/ين مشردين، وهناك حاجة ماسة إلى تأهيل مراكز الإيواء الموجودة واستحداث مراكز جديدة.
وقد بدأ بالفعل تدفُّق المساعدات الإغاثية العينية والمالية من دول ومنظمات دولية مختلفة، لكنها لم تؤمّن سوى 15،1% من المبلغ المطلوب حتى 23 تشرين الأوّل 2024، بما يبيّن النقص الملحوظ في التمويل مقارنةً بالاحتياجات الحقيقية.
وفي حين أعلن وزير البيئة ناصر ياسين عن إعداد منصة تظهر أرقام المساعدات التي استقبلها لبنان وكيف تم توزيعها، وفيما قال رئيس الهيئة العليا للإغاثة أنه سيكون هناك عملية تنسيق بين الأطراف المعنية لتوزيع المساعدات بطريقة عادلة، وأنه سيخصّ بها المناطق المكتظة بالنازحين، نشدّد على ضرورة اعتماد الشفافية الكاملة ووضع أطر للوصول إلى المعلومات المتعلّقة بالمساعدات كافة، وبعمل المؤسسات الرسمية وغير الرسمية (المحلية والدولية)، والتأكد من منح الدعم للناس ووصوله إليهن\م على أساس الحاجة دون أي تمييز، بما يسمح فيما بعد بالمساءلة والمحاسبة من قبل المستفيدات/ين والجهات المانحة.
ليست المرة الأولى التي نتلقّى فيها المساعدات، كما أنّها ليست الأولى التي تختفي فيها هذه المساعدات، أو على الأقل يمّ توزيعها بشكل زبائني وغير عادل. لذا، من الضروري وضع آلية توزيع تضمن حقوق النازحات\ين، وهن\هم اليوم الأكثر حاجة بيننا لكل أشكال المساعدات والدعم.
وأخيراً، في سياق المؤتمر الدولي المقرر، ككل المساعدات الدولية الأجنبية، فهي تضعنا مجدداً في خانة “متلقّي المساعدات”، يقدّمونها إلينا من منطلق إنساني، لا كأصحاب حقوق نهبها الاستعمار في واقع سياسي يسهّل له هذا النهب، ويبرّره. فلطالما شكّل هذا النوع من المساعدات أداة تستخدمها دول الشمال العالمي لإزالة السياسة عن علاقتها مع الاستعمار، أو تأبيده والتخفيف من حدّة مظهره فقط.
لذا، يجب أن يسبق هذه المساعدات مواقف وأفعال سياسية للدول المانحة، لوقف الإبادة والجرائم اليومية للاحتلال الإسرائيلي. إنّ معظم الدول المانحة ما زالت ترسل الأسلحة إلى إسرائيل، وتمنع إصدار القرارات اللازمة لعزلها، وتقمع التضامن مع فلسطين ولبنان من داخلها. إنّ الحرب الإرهابية الإسرائيلية اليوم، والوجود الاستعماري الإسرائيلي منذ أوائل القرن الماضي، يشكل جذراً أساسياً في أزماتنا ومآسينا، بشكل لا يمكن معالجته بالمساعدات المالية، بل بالتحرير. نحن لم نكن لنحتاج لأي شكل من المساعدات والمؤتمرات والإغاثة، لولا وجود الكيان الصهيوني في منطقتنا.