في ظل إنكارٍ تامٍ للأزمات المتراكمة والمستعصية التي نعيشها، يأتي طرح قانون طلب الموافقة على اتفاقية قرضٍ بين الجمهورية اللبنانية والبنك الدولي للإنشاء والتعمير بقيمة 43 مليون دولارٍ أميركي. يهدف المشروع إلى تحسين الوصول إلى البيانات عبر تحديث السجل العقاري وسجل المساحة الرقميّين، وتخمين العقارات وجَرْد أراضي الدولة. لكنه يأتي في توقيتٍ مشبوهٍ وسط الانهيار الاقتصادي وتدهور قطاع العقارات، فيبدو بمثابة وسيلةٍ لدعم النموذج الاقتصادي القائم على الريع العقاري. وفضلًا عن عدم كونه من بين الأولويات الحالية، يتذرّع هذا المشروع بإتاحة المعلومات والبيانات العقارية للعموم، بينمايَعي كل مواطنٍ ومواطنةٍ استحالة تسلّم أيّ ملفٍ من الإدارات العامة. فلم يسبق لأيّ مواطنةٍ أن لمسَت يومًا أيّ شفافيةٍ أو فعاليةٍ لدى الإدارات العامة، لا بل لَم تواجه سوى العثَرات واستحالة الوصول إلى أيّ معلوماتٍ أو ملفاتٍ لدى تلك الإدارات. السؤال إذًا هو التالي: من المستفيد الأول من هذا القرض وسط انعدام أيّ طرحٍ لمواجهة الأزمة الشاملة؟
باختصار، ما هو القانون المقترح؟
القانون يرمي إلى طلب الموافقة على ابرام اتفاقية قرض بين الجمهورية اللبنانية والبنك الدولي للانشاء والتعمير بقيمة /43/ مليون د. (ثلاثة وأربعون مليون دولار أميركي) حيث يمكن تحويل هذا المبلغ من وقت لآخر من خلال تحويل العملة (“القرض”) للمساعدة في تمويل المشروع لتحديث نظام إدارة الأراضي (Land Administration System Modernization Project) الموقعة بتاریخ 31/05/2019
ما هي الأسباب الموجبة التي يذكرها القانون؟
- تحديث نظام السجل العقاري والمساحي الرقمي
- تنفيذ برنامج من أنشطة مصممة لتحديث نظام السجل العقاري والمساحة الرقمي والبنية التحتية للبيانات المكانية الوطنية
- تنفيذ برنامج من أنشطة مصممة لتعزيز عملية تحديد وتخزين واستخدام ومشاركة وتبادل البيانات والخدمات الجغرافية المكانية
- تخمين قيمة الممتلكات وفرض الضرائب عليها
- تنفيذ برنامج من أنشطة مصممة لإقامة نظام تخمين شامل لجميع الممتلكات المبنية والممتلكات غير المستثمرة (مثل الأراضي)
- جرد وإدارة أراضي الدولة
- تنفيذ برنامج من أنشطة مصممة لتحسين نوعية البيانات الخاصة بأراضي الدولة في نظام السجل العقاري والمساحة وتعزيز قدرات المديرية العامة للشؤون العقارية لإدارة أراضي الدولة
- التطوير المؤسسي، بناء القدرات وإدارة المشاريع
أي نواب اقترحوا القانون؟
المقرر الخاص النائب نقولا نحاس – تيار العزم (نجيب ميقاتي)
ما هو السياق العام للقانون؟
أعلن رئيس مجلس النواب نبيه برّي عن انعقاد جلسةٍ تشريعيةٍ أيام 21 و22 و23 نيسان. وعلى الرغم من كثرة القوانين المطروحة، يخلو جدول أعمال الجلسة من أيّ رؤيةٍ اجتماعيةٍ – اقتصاديةٍ تحاكي مستوى التحدّيات الحالية. بل على العكس، فإذا ما نظرنا تحديدًا في مشروع قانون الموافقة على “اتفاقية قرضٍ بين الجمهورية اللبنانية والبنك الدولي لتنفيذ تحديث نظام الأراضي”، نرى إنكارًا تامًا للأزمات التي نعيشها، ونستخلص أنّ قوى السلطة تعيد إنتاج الأسباب التي أدّت إلى تلك الأزمات في الأساس.
نوع القانون
اقتراح قانون
الفاعلون
البنك الدولي، وزارة المالية (المديرية العامة للشؤون العقارية)، وزارة الأشغال (المديرية العامة للتنظيم المدني)، البلديات، نقابة المهندسين
المناطق المتأثرة
جميع الأراضي اللبنانية، وبالأخص أملاك الدولة.
القانون المقترح هو عبارةُ عن قرضٍ بقيمة ٤٣ مليون دولار، يُقدّمه البنك الدولي إلى المديرية العامة للشؤون العقاريّة – وزارة المالية، بهدف تنفيذ مشروع “تحسين الوصول إلى بيانات استخدام الأراضي والتخمين وبيانات حقوق الملكيّة والمعلومات الجغرافيّة”، عبر تحديث السجل العقاري وسجل المساحة الرقميّين، وتخمين العقارات وجَرْد أراضي الدولة.
في وثيقة المشروع الصادرة عن البنك الدولي عام ٢٠١٧، يوصَف السياق العام كما يلي: “إنّ السياحة والخدمات الماليّة تشكّل العامود الفقري للاقتصاد الوطني؛ إنّ الصراعات المتكرّرة وأزمة اللجوء السوري أدّت إلى تقويض مسار التنمية في البلاد وتشكيل عبءٍ على استخدام الأراضي؛ إنّ الاستثمارات في الأراضي والمباني تُعتبر من أكثر مصادر الربح جاذبيّةً، إذ يُسجّل ارتفاعٌ واضحٌ في أسواق العقارات وورش البناء على أعلى المستويات؛ وغيرها.”
وتعتبر الوثيقة أنّه في حال أراد لبنان خلق فرص عملٍ ووظائف نوعيّةٍ وتجنّب المزيد من التدهور في رفاه مواطنيه، يتوجّب عليه القيام بإجراءاتٍ أساسيةٍ لتحسين آفاق التنمية فيه، ومن ضمنها “تعزيز تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لكي يصبح لبنان مرتبطاً تماماً بالاقتصاد العالمي، ويصبح بإمكانه أن يخلق فرص عملٍ تساعد على تحسين مناخ الأعمال لتخفيف العبء على الشركات وأعمالها”.
وانطلاقًا من هذا التوصيف، يقترح المشروع توضيحًا إضافيًا يتعلّق بحقوق الأراضي والمُلكيّة، لتفادي وقوع النزاعات المتعلّقة بالأراضي، وتعزيز بيئة الاستثمار والوصول إلى الاعتمادات.
يُعدّ اقتراح القانون هذا سيءٌ في مضمونه وتوقيته. بدل أن تشكّل الأزمة الصحية – الاقتصادية مناسبةً لإعادة التفكير في دور الدولة وفي تكريس الحقوق الأساسية للمواطنين، يتضمّن جدول أعمال جلسة مجلس النواب قانونًا يستجلب المزيد من القروض خدمةً لمشروعٍ أقلّ ما يُقال فيه أنه ليس ضمن الأولويات الحالية.
ينطلق المشروع من فرضيّاتٍ أو أسبابٍ موجبةٍ منسلخةٍ تمامًا عن الواقع الحالي، ولم تعد صالحةً في ظلّ الأزمة الاقتصادية التي نعيشها.
إنّ المشروع المُقترح يلقي باللوم على اللاجئين السوريين في تقويض مسار التنمية، في حين لم تقُم أيّ من الإدارات العامة بتطبيق “الخطة الشاملة لترتيب الأراضي اللبنانية” الصادرة عام ٢٠٠٩، والتي تتضمّن سياسةً تنمويةً متكاملةً للحدّ من الفقر والبطالة، وتُحدّد الاستخدام الملائم للأرض والموارد البيئية والمصادر الطبيعية.
ينطلق المشروع في توصيفه من أهمية الوصول إلى المعلومات وإتاحة البيانات العقارية لكافة المواطنين، في حين لا تزال الإدارات العامة ترفض تسليم أيّ معلوماتٍ عند الطلب، ولا يزال المجلس الأعلى للتنظيم المدني يصدر قراراتٍ أسبوعيةً من دون نشرها في الجريدة الرسمية.
يتعامل المشروع بكثيرٍ من الإنكار مع أزمة “الخدمات المالية” وتدهور القطاع العقاري الحاصل منذ عام ٢٠١٠، وكذلك مع حقيقة أنّ للاستثمار العقاري حدودٌ وتداعياتٌ كارثيةٌ على المجتمع إذا ما اعتمد اقتصاد البلد عليه.
يهدف المشروع الى جَرْد أراضي وممتلكات الدولة، في ظلّ الحديث القائم حاليًا عن بيع أملاك الدولة اللبنانية لتعويض خسائر المصارف.
في الواقع، المشكلة أكبر من ذلك. إنّ إدراج هذا القانون على جدول أعمال جلسة الآن هو بمثابة تحدٍّ لانتفاضة ١٧ تشرين وشعارها الأساسي: رفض النموذج الاقتصادي القائم على الريع العقاري. وعلى الرغم من أهمية عمليات المكننة والمسح وتطوير السجل العقاري الرقمي وإتاحته للعموم، فإنّ عدم اقتران هذه التطويرات بإقرار تشريعاتٍ تضع المصلحة الاجتماعية والجماعية فوق حقوق الملكية الفردية ومصالح المضاربة العقارية، سيجعل أيّ تحديثٍ لنظام الأراضي مجرّد أداةٍ لخدمة الأقوياء.
ومن الأجدى أن نُقرّ أولًا بمبدأ أنّ للأرض قيمة إجتماعية قبل أن تكون لها أيّ وظيفةٍ أخرى، إذ تتميّز بخصوصية محتواها ودلالاتها بحيث لا يمكن تصنيفها كأيّ سلعةٍ تقليدية، لأنها ببساطةٍ مكان العيش ومصدر الحياة. انطلاقًا من هذا، ينبغي وضع سياساتٍ عامةٍ واضحةٍ تكرّس الوظيفة الاجتماعية للأرض كأحد المبادئ الرئيسة في الاقتصاد الوطني، بحيث نضمن تمتّع الجميع بحياةٍ كريمةٍ تتوافق ومبادئ العدالة الاجتماعية.