تتكوّن قرانا وبلداتنا لا من البيوت الخاصة فقط، بل من المساحات التي تربطها ببعضها البعض، لتشكّل طابعها العمراني، وجزءاً من علاقتنا بها، وبالتالي الشكل العمراني الخاص بها. لا تشبه عاليه بحمدون، وهي تختلف أيضاً عن صيدا. وبعض ممّا يجعلها تختلف عن بعضها البعض هو الموروث العمراني العام. 

تبرز مجدداً قضية الأملاك العامة، هذه المرة في معركة الحفاظ على «الدرج العام التراثي» في عاليه، «المهدد بالهدم نتيجة أعمال هدم وكسر وتغيير لمعالمه، كما وصفته بلدية عاليه في كتاب موجّه إلى المتعهد ملتزم الأشغال. ونتيجة لهذه الأعمال وقع ضرر مباشر على السكان المجاورين، ممّا حال من إمكانية وصولهم إلى مساكنهم والقيام بأعمالهم اليومية. هذا، بالإضافة إلى التعدي على الأملاك العامة وعلى القيمة التاريخية والتراثية للدرج المذكور.» (من بيان الناشطات\ين في عاليه)

 الملفت في هذه القضية هو كيفية تعاطي البلدية مع الملك العام – لا سيّما أنّ جزء من الدرج الذي هُدم والذي يتم بناء درج جديد بدلاً له، يقع على عقار DP، أي أنّه ضمن الأملاك العامة الوطنية أو ما يسمى بأملاك الدولة العمومية. وبالتالي حتى البلدية لا تملك حق التصرّف به وليس لديها صلاحية السماح بالهدم ضمنه.

وحتى لو كان الدرج ضمن الأملاك العامة البلدية (وهو افتراض)، فلا يمكن للبلدية أن تتصرّف بأملاكها العامة، إلّا إذا كان للمصلحة العامة، كما تقول المادة 136 من قانون البلديات: 

«المادة 136 – يحق للبلديات استعمال الأملاك العمومية البلدية لتنفيذ مشاريعها العامة والقيام بالحفر والتمديدات لتنفيذ مشاريع الإنارة والمجارير والمياه وغيرها.» 

وبالتالي فإن الهدم الحاصل وتغيير مسار الدرج الأساسي، بحسب هذه المادة وبكلّ وضوح، لا يعتبر ضمن المصلحة العامة. بل تصبّ نيّة الهدم ضمن المصلحة الخاصة، لأن مالك العقار 5219 (الملاصق للدرج) لا يستطيع أن يستفيد من الاستثمار الأقصى لأرضه، بسبب وجود جزءٍ من الدرج على عقاره، ممّا يوضّح سبب تدمير الدرج و تغيير مساره من خلال بناء درج جديد، ويثبت بأنّ الدافع وراءه هو – كالعادة- على مقاس مصلحة خاصة لصاحب ملكية خاصة. 

تعتبر البلدية أن الأعمال التي تقوم بها هي بهدف السلامة العامة “لترميم” الدرج التراثي العام،  في حين أن الجزء العلوي من الدرج أوقعته البلدية في الملك الخاص “بهدف الحفاظ على الدرج”، رغم أنها لا تستطيع أن تلزم مالك العقار بالترميم. وهو ما يطرح سؤالاً حول مسؤوليات البلدية تجاه السلامة العامة والصلاحيات الممنوحة لها بموجب قانون البلديات وقانون البناء، وبالأخص المادة ١٨ من قانون البناء التي تعطي صلاحية للبلدية بإلزام مالك العقار بالترميم ليس فقط للسلامة العامة بل  أيضا حفاظاً على النسيج العمراني. بالإضافة إلى أن الإلزام بالترميم ليس الحل الوحيد أمام البلدية، فقد نص قانون الملكية العقارية على الارتفاق القانوني للعقارات أي إلزامية حق المرور على أرض خاصة للمصلحة العامة.

اليوم، وبهذا الهدم، نفقد، جماعياً، جزءاً من تاريخنا العمراني وذاكرتنا المدينية، لأن فرداً واحد يريد أن يستفيد من أمتار إضافية لعقاره. وهو أمر، إذا قرأناه من كل الزوايا، غير مقبول، وغير عادل.

لبنان