دليل العمل المجتمعي على المستوى المحلي

بحث وكتابة: كريستينا أبو روفايل
مراجعة ومساهمة: عبير سقسوق
المشاركة من فريق استديو أشغال عامة: عبير سقسوق، نادين بكداش، تالا علاء الدين، ريان علاء الدين.
المشاركة من الجلسات التشاورية في طرابلس: مراد العياش، عبيدة تكريتي، رياض الأيوبي، ساره قبوط، فاطمة الدريعي، أليسار السيد.
تحرير: جنى نخال

مقدمة: لماذا هذا الدليل؟

عام 2018، وفي قلب الانتفاضة السودانية، رُفِع شعار “الثورة نقابة ولجنة حي”. على الرغم من اختلاف السياقات حينها، ومن ازدياد صعوبة التنظيم حالياً، وجد هذا الشعار صداه عندنا، في لبنان وفي صُلب المقاربة الجماعية للعدالة المكانية، لقدرته على التأثير على مستويين: أوّلهما في إبعاد “الثورة” عن الرومانسي والخيالي، وثانيهما في تثبيتها في اليومي والمكاني والممكن، النقابة ولجنة الحي.

من هنا كانت مبادرتنا للتفكّر والتعمّق بموضوع لجان الأحياء وبالتنظيم المجتمعي المحلي وباعتماد نهج منطلق من التنظيم القاعدي ومن المكان، ومدى ارتباط ذلك -وإن بطريقةٍ غير مباشرة- بنظرية التغيير وبالعدالة المكانية، بالأخصّ عند توفّر الفرصة السياسية لذلك. يأتي هذا البحث في إطار التساؤل حول ماهية التنظيم المجتمعي على الصعيد المحلي وقيمته المضافة، وقدرته على الاستفادة من الفرص السياسية المتاحة ومن التراكمات السانحة ليكون امتداد لتجارب سابقة. كما يسائل البحث قدرة التنظيم المجتمعي على مجابهة التحديات التي تعترضه داخلياً وتنظيمياً، ومواكبة التحوّلات والمتغيرّات الخارجية، وكيفية خلق توافق بين بنيته وأدواره وبناء قدرته على الاستمرار، في سياقٍ لبنانيّ تقلّ فيه مثل هذه التجارب الموثّقة. فإن بناء الحسّ الجماعي للجماعات المحلية (community building)، وتنظيم هذه الجماعات (community organizing) وتفعيلها يحتاج إلى استكشافه نظرياً وبشكلٍ تجريبيّ، ومن خلال فهم القوة التغييرية لبنية الجماعات المحلية، لنكون  قادرات\ين على الانخراط بشكل أفضل في تطوير حركات أوسع للتغيير الهيكلي، والمساهمة فيها. 

كمحاولةٍ منا للإجابة على هذه التساؤلات، والخوض في فهم موضوع التنظيم المجتمعي على الصعيد المحلي في بُعدَيه النظري المفاهيمي -والعملي التطبيقي، اعتمدنا منهجية بحثية قائمة على سلسلة من ورش العمل والجلسات التشاورية نُظمّت مع ناشطين محلّيين في طرابلس، منهم من لديه تجارب في موضوع البحث: سارة قبوط، فاطمة الدريعي، رياض الأيوبي، مراد العياش، عبيدة تكريتي، وأليسار السيد.1جلسة عملية في 9 نيسان 2022، سياق، طرابلس، بحضور: ساره قبوط، فاطمة الدريعي، رياض الأيوبي، مراد العياش؛ -جلسة مفاهيمية في 8 نيسان 2022 ، سياق، طرابلس، بحضور: ساره قبوط، فاطمة الدريعي، رياض الأيوبي، مراد العياش؛ -جلسة نقاش حول لجان الأحياء في 26 تشرين الثاني 2021، سياق، طرابلس بحضور: فاطمة الدريعي، رياض الأيوبي، عبيدة تكريتي، مراد العياش، اليسار السيد. وقد حضر هذه الورش عن استديو أشغال عامة كل من عبير سقسوق، نادين بكداش، تالا علاء الدين، كريستينا أبوروفايل، وريان علاء الدين. وقد قامت ورش العمل والجلسات التشاورية على مجموعة من الأسئلة المفاهيمية والعملية. 

كذلك اعتمدنا في بحثنا على مجموعة من التجارب السابقة والحالية التي يخوضها استديو أشغال عامة في هذا المجال، إلى جانب مراجعة أبحاث أكاديمية وأوراق بحثية ومقالات ومقابلات2مقابلة مع الاستاذ بلال الأيّوبي، من مؤسسي جمعية “SHIFT” التي عملت عن قرب مع سكان مشروع القبة السكني. تتناول تجارب تنظيمية مختلفة على الصعيد اللبناني.

نبدأ أولاً بمسعى لإيجاد ردود عن مجموعة من الأسئلة (عشر أسئلة) على المستوى النظري، كما وعلى المستوى التطبيقي وأساليب التنظيم المجتمعي على المستوى المحلي، لنركّز لاحقاً على عدد من التجارب التي تمّ خوضها في السياق اللبناني، بدايةً مع “لجنة حي مار مخايل” التي نشأت عام 2016 كمبادرة لأعضاء و/أو داعمي مجموعة “بیروت مدینتي” من سكان الحيّ، و”تجمّع سكان الأحياء المتضررة من تفجير 4 آب” كجمعية تكونّت بدعم قانوني ولوجستي من “المفكرة القانونية” و”استديو أشغال عامة”، لنتطرق لاحقاً إلى العلاقة التي جمعت بين هاتين التجربتين؛ وتجربة “حراس المدينة” في طرابلس التي تشكلت خلال أزمة النفايات عام 2015 وتطورت خلال الانتفاضة اللبنانية عام 2019؛ وأخيراً حملة “تحت السقف” ولجنة “قلب المشروع” في مشروع القبة السكني في طرابلس، حيث لاحظنا من خلال بحث بدأناه في طرابلس، أن عدد المبادرات المحلية فيها، لا تحصى ولا تعدّ. 

على الرغم من اختلاف هذه التجارب عن بعضها البعض، إلّا أنّها تشكّل، كلّ منها على حدة أو بترابطها مع بعضها البعض من خلال قضاياها ومواقفها السياسية، تجارب اعتراضية.3بول أشقر. (تشرين الأوّل، 2022). مقتطف من مراجعة أجراها على نسخة غير نهائية من النص. فـ”لجنة حي مار مخايل”، تشكّلت من المتضررين في الحيّ، كنموذج للاعتراض على الضرر الصحي4أمثلة أخرى يمكن أن تقع ضمن النموذج نفسه، كالأضرار الصحية الناتجة عن التلوّث الناتج عن مداخن معمل الكهرباء الحراري في الذوق، الكسارات في الكورة أو مكبات النفايات العشوائية في بعض المناطق. الناتج عن ضجة الملاهي الليلية العاملة في المنطقة وتعدّيها على راحة السكان. ثم نشأ “تجمّع سكان الأحياء المتضررة من تفجير 4 آب” على أطلال “لجنة حي مار مخايل” التي كانت قد تلاشت قبل انتفاضة 17 تشرين، في اعتراض على الضيم اللاحق بالأحياء المتضررة وسكانها نتيجة التفجير. تختلف هذه التجربة عن غيرها بسبب هول الحدث وضخامته ونتيجة الاهتمام الذي حظيت به هذه الأحياء، لا من سكّانها وروّادها فقط، بل لبنان عامّة، كما من مختلف الجمعيات.في تجربتَي “حملة تحت السقف” و”لجنة قلب المشروع” في مشروع القبة السكني في طرابلس، جاء الاعتراض على خطر الإخلاء والتهجير الذي يهدّد واضعي اليد على المساكن الشاغرة فيه من جهة، ومن جهةٍ أخرى على ما لحق المشروع من إهمال وغياب الصيانة والأوضاع المتدهورة للمباني والمنشآت، والبنى التحتية والمساحات العامة. أمّا فيما خصّ تجربة “حراس المدينة” في طرابلس، والتي انطلقت مع أزمة النفايات وما نتج عنها من حراكٍ شعبي، فقد اتّخذت طابعاً عاماً غير متخصصٍ. نشأت بدايةً لحماية المدينة من تصدير النفايات إليها، وتطوّرت بموازاة حياة المدينة السياسية، وهو ما سمح لها بلعب دور مركزي خلال انتفاضة 17 تشرين. يضاف إلى هذه النماذج، نموذج الإعتراض ذو الطابع البيئي (وهي مسألة تحتاج إلى مقاربة مختلفة وبحث منفصل، لم نتناولها في إطار بحثنا هذا، خاصة أنّها تتخطّى مفهوم الحي وحدوده) وهو النموذج الأكثر شيوعاً والذي جاء الاعتراض فيه من خارج الفئات المعنية والمتضرّرة (سكان الدالية وصياديها، أصحاب الأراضي في مرج بسري) واستطاع الإعتماد على نقاش أوسع وأكثر تنوعاً من خارج المنطقة أو الحي المعنيين، كما حصل في الحملة الأهلية للحفاظ على دالية الروشة أو الحملة الوطنيّة للحفاظ على مرج بسري. 

في حالة كلّ من هذه التجارب، نحاول عرض ما جرى، كيف نشأت التجارب، وما كانت أدواتها وكيف انتهت. لكنّنا سنقوم بذلك في هذا النص، دون تقديم نقد للتجارب، وهو ما لا يعني بأن هذه التجارب كانت مثالية أو ممنوع نقدها، بل لأن ذلك كان سيأخذ منّا ضعف عدد الصفحات المعروضة هنا، آملات بأن نستطيع أن نقوم بذلك مستقبلاً في نص آخر.

نسعى أن يكون هذا البحث حول موضوع التنظيم المجتمعي المحلي فاتحة لنقاش لا نقطة نهاية، ونحن لا ندّعي إيجاد ردود نهائية للأسئلة المطروحة، بل نعي جيّداً أن هذه الأسئلة سوف تبقى قائمة وقيد البحث، كما أنّها قد تولّد تساؤلات إضافية بدلاً من توفير إيجاباتٍ قاطعة. كما نسعى لتوفير منبرٍ مفتوح تستطيع مجموعاتٍ أخرى من خلاله، توثيق تجاربها المختلفة، كوسيلة مرنة لمشاركة المبادرات المحليّة، وربط الناس من ذوي الأهداف المشتركة، ونشر الأدوات التي توسّع العمل المحلّي.

عن مفهوم الحيّ

قبل البدء بالتفكير بمعنى التنظيم المجتمعي على مستوى المحلي، يبدو من الأساسي التطرّق لمعنى الحيّ وكيفية تحديده، حيث أنّ فهمنا للحيّ ببعُده الجغرافي، الزماني، الاجتماعي/الاقتصادي بكافة تعقيداته، هو المرتَكَز الذي يُبنى عليه، قبل المباشرة بالعمل على هذا المستوى.

قانونياً، يقرّ قانون  المخاتير والمجالس الإختيارية عبر المادة 3 بالحيّ كمكوّن مكاني، فالأماكن “التي يزيد عدد سكانها المقيمين فيها عن 3000 نفس تنزل منزلة المدن وتُقسّم إلى أحياء ويعتبر الحي بمثابة قرية وتطبّق بشأنه أحكام المادتين السابقتين. تُعتبر الأحياء كما هي مسجلة في الإحصاء ولا يمكن إنشاء حي جديد أو إدغام حي بآخر إلا بقرار من وزير الداخلية.” 5قانون المخاتير والمجالس الاختيارية، المختارون والمجالس الاختيارية، قانون صادر في 27/11/1947، تم الاسترداد من: Elections 2022 – قانون المخاتير والمجالس الاختيارية

يُعتبر الحيّ بقعة جغرافية تشكلّ جزءاً لا يتجزأ من المدينة\القرية، ويكون له اسم متعارف عليه، وهو مكان مادي تسكنه جماعات مختلفة أحياناً. قد يكون لأيّ حيّ وظيفة معيّنة ومقوّمات تختلف عن غيره من الأحياء، ولا يمكن فصل الحيّ عن محيطه الأوسع وعن العلاقة التي تجمعه مع الأحياء الأخرى (علاقة تكامل، منافسة، تباين، علاقة جيرة، إلخ). كما تربطه بالأحياء الأخرى شبكات طرق، ومواصلات ومساحات عامة، تبني- من خلال علاقتها مع بعضها البعض- صلب ماهية المدينة. 

الحيّ بالمفهوم النظرّي إذاً، هو مدى مكاني متفق عليه نسبياً وله إسم، و هو مزوّد بالمرافق والخدمات، يشمل شبكة شوارع وأزقة تشكلّ بنيته وتربطه ببعضه البعض وبالأحياء المحيطة. لكن هل تُعتبَر كلّ بقعة جغرافية تتوّفر فيها هذه الصفات، حيّاً؟

“منطقة الضمّ والفرز في طرابلس ليست حياً”، تقول لنا إحدى المشاركات بالورشة في طرابلس. ففي حين أن البعد المادي غالباً ما يُنظر إليه على أنه ما يشكّل ركيزة نشوء الأحياء، إلّا أن الأحياء هي بالأخص مواقع للتجربة الإنسانية، وتشمل العلاقات الاجتماعية والذكريات والعواطف والتفاعل اليومي، والقدرة على تشكيل المساحة الخاصة للجماعة، وتصوّر حدودها. بمعنى أن الحي ليس بُعداً جغرافياً فقط، بل يمكن اعتباره فضاءٌ اجتماعيٌ يوفرّ سياقاً لمعيشة الناس، يتشاركون فيه نمط الحياة. يتمّ إنتاج الحي من خلال نسيج من العلاقات الاجتماعية والمصالح الاقتصادية التي تجمع الناس المختلفين أحياناً وتخلق الارتباط اليومي بينهم. حياة الأحياء هي الإيقاعات اليومية للمدينة، هي الشوارع وأصواتها وصمتها والروائح المنبعثة منها، هي الروتين اليومي لأجزاء المدينة\القرية المختلفة، هي مجموعة من التجارب ذات الطابع المتعدد المستويات، هي مجموعة واسعة من المصادر البشرية وغير البشرية، المبنية وغير المبنية، الحسية وغير الحسية التي تشكل معاً طابع الحيّ وكينونته. لا تخلو هذه التجارب المتنوعة من معنى أو منفعة اجتماعية، حيث أن كيفية اكتساب الفضاءات مضمونها له علاقة بـ “التجربة الحسية للبيئات المبنية” (Degen and Rose,2012). 

كذلك، وباعتبار أنّ الحيّ جزء من المدينة\القرية، تُشكّل المدن (والبلدات والقرى، ولو بشكل أقل) هي أيضاً أماكن للتفاعل الاجتماعي والتبادل مع أشخاص مختلفين. فالمدينة، بكثافتها وجاذبيتها المستمرة للوافدين الجدد والمهاجرات\ين، تُشكّل نسيجاً من عدم التجانس، وهو نسيج قد يضمن إمكانية “المواجهة مع الاختلاف” (ميتشل، 2014). 

السمّان، الصيدلية، المدرسة، المستوصف، دور العبادة، الحضانة، الحديقة، المنتزهات، الأسواق، الشوارع، الملاعب، القهاوي والمقاهي، المساحات الترفيهية، المساحات العامة، أماكن اللقاء، التجهيزات والخدمات التعليمية/ الثقافية/ التجارية، المساحات هذه تمكّننا من توفير حاجتنا اليومية، من مواد استهلاكية، ومن مساحات الالتقاء والتحدث، الجلوس والتسكع والبقاء واستخدام المكان. تُفعّل هذه المساحات التجارب الحسية أيضاً، وتبني الإحساس بالمكان، الشعور بالأمان، وتُرسَم على أساسها علاقتنا بمحيطنا، هذا المشترك الذي يُشكّل ركناً حيوياً في تحديد الحي وفي تأمين ديمومته ووجوده والعلاقات الاجتماعية فيه. ويعيق غياب هذه المساحات التي تشكّل جزءاً من الهياكل الاجتماعية والثقافية للحي، تكوين العلاقات، ليصبح من الأصعب على الناس التجمّع والتعارف وبناء العلاقات الاجتماعية، وتفعيل الحس الاجتماعي الذي هو جلّ أساس تكوين وتطور الأحياء، فإنّ كيفية التواصل الاجتماعي المباشر هي ما تحدّد قدرتنا على الازدهار ثقافياً.

من هنا، تتجاوز حدود الأحياء معناه الماديّ. ليس الحيّ جامداً، وحدوده ليست دائماً واضحة وقد تتداخل حدود الأحياء فيما بينها، وقد تتغيّر حدود الحيّ الجغرافية، وقد تتعداها إلى حدودٍ إجتماعية، وظيفية، اقتصادية، ثقافية وغيرها. كما يمكن ربط تماسك الحي وكينونته بالروابط الاجتماعية الموجودة فيه والتوزّع المكاني لهذه الروابط والعلاقات. ويمهّد فقدان  هذه الشروط أو ضعف وجودها   لتفكّك الأحياء حتّى في ظلّ وجود الإطار المادي والمكاني. بمعنى أنه يصعب فصل الإطار المادي عن الإطار الاجتماعي الاقتصاديّ للحي والتأثير المتبادل بينهما، حيث أنّ المكاني يُنتج الاجتماعي، تماماً كما يُنتج الاجتماعي المكاني. ويُضاف إلى ذلك العامل الزمني والسياق التاريخي للحي ومجتمعه (تاريخ نشأته، تاريخ تشكيلاته العمرانية والسكانية والطبقية وتاريخه السياسي). الحي لا يصبح “حياً” بين ليلة وضحاها، بل يحتاج إلى الوقت و إلى تفعيل ميكانيزمات بناء العلاقات الاجتماعية وتعقيداتها، كما المساحات والبنى التحتية التي تؤخّر حصولها أو تسرّعه. والمناطق التي لا تسمح ببناء الاجتماعي فيها، تصبح أرضاً موات، أو تتغيّر به بفعل عمل عنيف (أشغال عامة، 2021).

قبل كلّ شيء، تتكوّن الأحياء من سكان مختلفين يعيشون معاً ويُشكّلون وحدات متشابكة ومترابطة، وحدات سياسية، اجتماعية واقتصادية، عائلية وعشائرية أحياناً. كما تتكوّن ممّا يخلقون من خلال تفاعلهم مع الحي كحيّز مكاني وتغييرهم وتطويعهم له. وهنا تكمن أهمية المقاربة الجغرافية و مفهوم العدالة المكانية، إذ يعكسان حاجات السكان ليصبحا بمثابة منصة موّحدة لاهتمامات الأحياء، مطالبها، احتياجاتها، آمالها وتطلّعات سكانها (أشغال عامة، 2021) أو منصة للتفاوض بين الافراد والجماعام، بخصوص الاحتياجات والتطلعات المختلفة. ولكي نُنجح حقاً “المواجهة مع الاختلاف” التي تكلّم عنها ميتشل على صعيد المدينة، تظهر ضرورة أن تكون الجماعات وسكان الأحياء بالذات فاعلين سياسياً واجتماعياً من أجل الحق  في هذه المدينة – أي حق الأفراد والجماعات المتنوعين ثقافياً وطبقياً بالعيش في أحيائهم. هذه الفاعلية، سواء أكانت أعمالاً سياسية منظّمة أو سُبُلاً مستترة للوصول إلى المدينة، فهي متجذّرة في الحق بالحياة المدينية، و أماكن الالتقاء والتبادل، و مواصلة السكن والعمل في المدينة وإشغالها من قبل الناس جميعاً.

من هنا، يكتسب الحيّ وجواره عمقاً قد يساهم بتأمين ديمومة العمل السياسي التنظيمي إذا نجحنا بتأطيره بشكل أوسع، أي ربطه بالمديني ككلّ. المقصود هنا، هو أيضاً إيجاد المستوى الوسطي القادر على جمع الحيّ (القريب والصغير) بالمدينة (البعيدة والكبيرة)، ما يجيز التدخل والإنتظام والتمثيل الثابت6بول أشقر. (تشرين الأوّل، 2022). مقتطف من مراجعة أجراها على نسخة غير نهائية من النص.، وهو ما سوف نتطرق إليه لاحقاً في النص. 

عن التنظيم المجتمعي المحلي

يُعرَّف التنظيم المجتمعي على أنّه عملية سياسية يتمّ تنظيمها من قبل مجموعة من الأشخاص، لتحديد حاجاتهن\م فيما يتعلق بالقضايا الاجتماعية ذات الاهتمام المشترك، و بهدف التفكير بظروفهم وأحوالهم، ووضع أهدافٍ واستراتجيات لاتخاذ التدابير المناسبة بحسب الموارد المتوّفرة، والتصرّف بشكلٍ جماعي وفقاً لمصالحهم المشتركة (المصالح الشخصية المشتركة)، بغية التأثير على السياسات وإحداث التغيير المرجو. كما أنّه وسيلة قد يتمكن الناس من التحدث بصوت جماعي عبرها، بغرض زيادة تأثير المجموعات التي لا يتمّ تمثيلها بشكل كافٍ، بما فيها المجموعات المهمّشة والمفقّرة، على السياسات وعلى عملية اتخاذ القرارات التي تؤثر على حياتها. تتمثّل الأهداف طويلة المدى للتنظيم المجتمعي بتشكيل قوة سياسية محلية قاعدية قادرة على مواجهة مختلف القضايا التي تخصّ الجماعة\الحي\المنطقة، وتسهيل اتخاذ القرار وجعله أكثر ديمرقاطية وتشاركية، وزيادة تأثير المجموعات الممثّلة تمثيلاً ناقصاً، كما وتأمين التوازن بين المصالح العامة المشتركة والمصالح الخاصة التي تكون أحياناً متنافرة. بمعنى أن الغاية من عملية التنظيم هذه هي خلق مساحة تمثيلية للجماعات، في إطار سياسي عام لم يعطها مجالاً تمثيلياً. وفي ذلك بالطبع جهدٌ إضافي على الجماعة من حيث وعيها لحاجتها للتنظيم أولاً، وعملها لتنظيم نفسها وفهم ديناميكياتها وتطويرها، وإيجاد صوتها أخيراً. 

تتنوّع تعريفات التنظيم المجتمعي، ويتمّ مقاربتها من زوايا مختلفة، بحسب التوجّه السياسي للمجموعة. فقد يرى البعض التنظيم المجتمعي كعملية – “إيجاد قادة من أهل القضية وتشكيلهم في فرق قيادية وتفعيل مواردهم المتاحة في تصرّف جماعي ميداني مُنسّقْ لتحقيق تغيير محدّد ومشترك.” (جمعية أهل7تعمل مؤسسة “أهل” على تمكين الساعين والساعيات للتغيير في تنظيم قوتهم وقيادتهم لتحقيق العدالة في قضاياهم. وذلك من خلال مرافقتهم في مشوارهم الميدانيّ وعملهم الجماعيّ، ومن خلال تعريفهم وتدريبهم على نهج التنظيم المجتمعي ومُمارسات القيادة التشاركية، ليس فقط ليحققوا التغيير الذي يبتغونه، بل ليبنوا قوة ناسهم أيضاً.). وأنّه “يتطلّب أن يتعلّم أولئك الذين يرغبون بإحداث تغيير كيف يمكنهم أن يتعاونوا لتحويل مواردهم إلى القوة التي سوف يحتاجونها لكي يخلقوا التغيير المرجو – والذي لا يتمثل فقط بهدم الهياكل القديمة، بل بالقيام في نفس الوقت ببناء هياكل جديدة تمكّنهم من اتخاذ قراراتهم. هذا هو ما يسمى بالتنظيم، والذي يتطلب تحديد القيادة، وتوظيفها وتطويرها، وبناء منظومة مجتمعية حولها.”8مارشال غانز، محاضر في السياسات العامة كلية جون ف.كينيدي للحكم جامعة هارفرد.

بغض النظر ما إذا كانت المقاربة متمحورة حول القيادة المحلية أو حول خلق سُبل تشاركية أكثر ديناميكية، يجب أن نعي أن التنظيمات المجتمعية تتشكّل فعلياً عندما تكون مستعدة للعمل بشكلٍ مستدام. فقد يجتمع عدد من الناس على نشاط معيّن أو تحرّك، وتنتهي لانتهاء المسألة\القضية. إلّا أن التنظيم هو ما يأخذ شكلاً في سياق مسألة طويلة المدى، ويتشكّل لأبعد من تحرّك أو مظاهرة واحدة. وبالرغم من أنّ التنظيم قد يُخلق بسبب الاهتمام بمسألة ما، لن يحصل الكثير قبل أن يهتم بالمسألة عدد لا بأس به من الناس على مدى طويل وبشكل تراكمي، وقبل ان يشعر هؤلاء بأنّ تحركاتهن\م يمكن أن تُحدث فرقاً. يكمن التحدّي الكبير في معرفة متى تكون المسألة التي يتم طرحها مهمّة لعدد كافٍ من الناس الذين يتشاركون الحيّز المكاني المحلي نفسه أو التجربة نفسها، فتكون هذه القضية كافية لتحفيزهن\م9يصف عالم النفس كلايتون الديفر ديناميكية الحوافز التي تتحرك داخلنا على أنها مدفوعة باحتياجات وجودية، علائقية، وتنموية واجتماعية وتطويرية. قد تتسبب أية تهديدات لهذه الأهداف أو فرص مفاجئة لتحقيقها في خلق الإحساس بضرورة الاهتمام بعملية التنظيم. لكي ينتظموا حولها، وهو ما يُمكن تسميته بالفرصة السياسية. هذا من ناحية المحاولة للإجابة على سؤال: متى يمكن للتنظيم المجتمعي أن يجذب الناس إليه وبالتالي إلى أخذ موقف سياسي من مسألة ما والتحرك من أجلها؟ لكن من ناحية القيمة السياسية لمسألة أو قضية ما، فإن عدم وجود فرصة سياسية في لحظة ما، لا يعني عدم امتلاك المسألة أهمية وضرورة وتأثير على حياة الناس والبيئة والأرض مثلاً، أو عدم تأثّر الناس بها. فغياب الفرصة السياسية لا يقلّل من القيمة السياسية للمسألة أو القضية، بل يرتبط بضعف في تشكيل وعي الحركة وتمظهرها سياسياً واجتماعياً.

وإذا أردنا تطبيق هذه التعريفات على صعيد المدينة وعلى صعيد الحيّ، يصبح العامل المكاني جزءاً أساسياً من هذه التعريفات، إلى جانب الرغبة في إحداث تغيير. 

ولإحداث هذا التغيير -وهو فعل معارضٌ للسلطة عامة- يطرح التغيير نفسه لا من خلال الأهداف فقط، بل عبر الأساليب، وعبر تعريف طبيعة العمل السياسي، في تكوينه وموقعه. بذا، يصبح العمل المجتمعي الأداة الاساسية، بمواجهة مقابل الفردانية والنجاة الفردية التي يطرحها النظام المهيمن علينا كحل وحيد للبقاء. ومن منطلق أنّ الفرد لا يمكنه المواجهة وحده وأنّ القضايا التي تبدو فردية والتي نحاول بالتالي مواجهتها فردياً، هي في معظم الأحيان قضايا تفوق قدرتنا الفردية على المواجهة من جهة، وتتخطّى تجربة الفرد الشخصية والمحدودة لكل منّا، وتطال مجموعة أوسع من سكان الحيّ\المنطقة\المدينة من جهة أخرى، تستدعي هذه القضايا مواجهةً جماعية وحلولاً أكثر شمولية، في ظلّ التغييب المستمرّ للناس ولسكان الأحياء عن المواضيع الأساسية التي تتعلّق بحياتهم وبأحيائهم. 

بذا، يمكن اعتبار العمل التنظيمي على صعید الأحیاء، كتواصل مباشر بين شرائح المجتمع كافة في حيّ معيّن، لخلق مجموعة فاعلة من شأنها أن تعمل على أمور وقضایا مشتركة، مع أخذ الظروف الإجتماعیة والإقتصادیة بعين الاعتبار، كما التكتلات السیاسیة والحزبیة والدینیة، والإمكانات العلمیة والثقافیة المتوفرة في الحيّ، لوضع الآلیات والمشاریع التي من شأنها رفع الغبن اللاحق بالأحیاء وسكّانها وعمّالها ومستخدميها، بحیث یصبح كل حيّ قادراً على المطالبة بتحسین وضعه العام وتأمين الحاجات بشكلٍ عادل للجميع، أو المبادرة إلى وضع أسس وأطر لبناء برامج من شأنها تعزيز موارد الحي وقدراته، وخلق وعي عام وفهم أعمق لخصوصیة كل حيّ، وللقضایا المدینیة عامةً. 10يجدر الإشارة هنا إلى أنّه كان من الصعب على المشاركات\ين في ورش العمل الإجابة على الأسئلة بشكلٍ مباشر، وعلى هذا السؤال بشكلٍ خاص، فاعتمدوا على الأمثلة الحسية من خلال تجارب خاضوها أو عرفوا عنها لمحاولة تحديد مفهوم التنظيم المجتمعي، وذلك كونه نظري، كما أنّ المفاهيم المختلفة المطروحة لم تكن قريبة بشكلٍ كبير من تجاربهم اليومية ومن الواقع المعاش.

عشر أسئلة

۱. ما هو الهدف من التنظيم المجتمعي المحليّ؟ 

غالباً ما يُعتبر التنظيم المجتمعي وسيلة وليس هدفاً بحدّ ذاته. وعلى الرغم من أن المصطلح يُستخدم عادةً في سياق مبادرات قصيرة المدى أو جهود النقاش والضغط القائمة على قضايا محددة (ضد الملاهي الليلية التي تنتهك راحة السكان، ضد المقالع والكسارات، ضد مداخن الزوق، أو ضد بناء سد في مرج بسري وغيرها)، إلّا أنّه يتخطّى ذلك ليكون قوة تنظيمية دائمة ومبادرة جماعية وعملية لتحريك الشارع، ممّا يسمح له بالتأثير على صانعي القرار الرئيسيين وعلى صناعة الرأي العام في مختلف القضايا، بهدف تحويل البيئة المحيطة. لكن التنظيم المجتمعي هو هدف أيضاً – تحديداً على الصعيد الجغرافي المحلي – لأنه تمظهُر لالتزام اجتماعي سياسي ومقاربة مشتركة، ويأتي نتيجة نقاش واسع لماهية الحيّ والمدينة التي نريد. 

وتكمن أهمية هذا النوع من التنظيم في السياق اللبناني، في المساهمة بإعادة تعريف علاقة الناس بالمدينة\ المكان\ المساحة العامة وإعادة ربط النسیج الإجتماعي للأحیاء، بعد أنّ تم، وبشكلٍ ممنهج منذ التسعينيات، تفكيك الأحياء والمساحات المشتركة في المدينة وتشويه علاقة السكان بأحيائهم ومدينتهم. ويستمر اليوم نموذج التدمير العمراني الاجتماعي الذي بدأ مع سوليدير، بتهديد سائر أجزاء المدينة. وقد استهدفت موجات الهدم – ولا زالت  تستهدف – أحياء عديدة من المدينة وأدّت إلى تدميرها، فاخترقتها بالطرق السريعة، وغيّرت طابعها أبراج تسبّبت بتهجير السكان، وتفكيك المساحات والمرافق المشتركة. في المقابل، صحيح أن الحرب الأهلية أدّت إلى تهجير السكان وإلى تطهير مذهبي للأحياء المختلفة وتشكيل كانتونات متجانسة، “إلّا أنّ السياسات العمرانية النيوليبرالية، و”بتفكيكها لعدد من مراكز تواصل بين الأحياء والمناطق (على مثال الوسط التجاري)، ساهمت في تحسين أوضاع الأحياء الداخلية وخدماتها وحتى مساحاتها المشتركة، لكن على أساس طائفي إقصائي”11 بول أشقر. (تشرين الأوّل، 2022). مقتطف من مراجعة أجراها على نسخة غير نهائية من النص.. تستحق هذه التجارب أن يتمّ إلقاء النظر إليها، حتى لو لم نكن نتقاسم معها قيمها وأهدافها. أمّا ما بعد الحرب، فلم تستطع المجموعات والأحزاب البناء على ما كان موجوداً، وهو ما صعّب عملية تجمّع الناس وبناء العلاقات الاجتماعية فيما بينهم وبالتالي تنظيمهم. مع مرور الوقت، ومنذ انتفاضة ١٧ تشرين، باتت ضرورة إطلاق مبادراتٍ جماعيةٍ على صعيد الحي واضحةً أكثر من أيّ وقتٍ مضى، بهدف الدفاع عن حقوق جميع السكان ومصالحهم المشتركة.  

٢. كيف يكون التنظيم المحلي حيّزاً لمحاربة الهيمنة في التمثيل؟

تغيب المسارات التمثيلية الرسمية في لبنان على مستوى الحي، بل تتوقّف عند القرية أو المدينة أو جزء منها، من جهة، كما ترتبط بمكان القيد لا مكان السكن وتسديد الضرائب، من جهة أخرى؛ ممّا يجعل تشكيل لجان أحياءٍ ذات تمثيل فعلي ومؤثّر، شبه مستحيل، إن لم نقل ممنوعاً. في غياب اللجان الرسمية على مستوى الأحياء، من يتكلم بإسم الحيّ؟  ساهم “نظام القيد” بغياب الهوية المكانية على كل مستويات التمثيل في النظام السياسي اللبناني، حيث تقوم كلّ أنواع التمثيل (باستثناء لجان المباني) على عملية الفصل بين المكان الحقيقي (حيث يقطن الناس) والمكان “المتخيّل” (مكان قيدهم). وهو ما يخلق فصلاً مستمراً بين الحياة الفعلية والواقع اليومي المتأتي منها من جهة، وبين المكان المتخيّل الذي أتى منه الأفراد من جهة أخرى، ويزداد هذا الفارق بين “الواقع” (الحاضر) و”المتخيّل” (الذي ينتمي إلى الماضي) مع مرور الوقت. 

لذلك، لا نعتبر أنّ التنظيم المجتمعي على مستوى الحي هو حلّ كامل لإشكالية التمثيل، إلاّ أنّه حيّز جديد نحارب من خلاله الهيمنة على التمثيل، كي نضمن عدم الإقصاء في القضايا المختلفة خصوصاً بالنسبة للفئات الأكثر هشاشة من نساء، فئات شابة، لاجئات/ين، مفقّرات\ين وغيرهن\م. 

سيبقى أي عمل محلي غير رسمي مهدداً بالاندثار لحظة الإستحقاقات التمثيلية، المرهونة بمعضلة التصويت في مكان القيد لا السكن. دون التوقف عند هذه الإشكالية ودون العمل الممنهج لتغييرها من خلال القانون (على الرغم من صعوبة هذه المهمة)، أو على الأقل توجيه العمل المطلبي نحوها، نحكم سلفاً على التنظيم المجتمعي المحلي بالفشل، أو على الأقل نقلّص -وبشكل شبه محسوم- حظوظه في الديمومة. فإنّ إحلال القيد العائلي أو الطائفي محل القيد المكاني هو الشرط الضروري لحسن سيرورة نظام الزعامة، وليس هذا التدبير تفصيلاً بل هو العمود الفقري لكلّ نظام التمثيل في لبنان12المرجع السابق..

٣. كيف يتقاطع التنظيم المجتمعي المحلي مع مستويات أخرى؟

لا يمكن أن يكون النشاط السياسي للأحياء بقعة خالية من الممارسات السياسية التقليدية، أو أن يكون مساحةً تقدمية بخلاف ما حولها، “مسقطة” ومنفصلة، لها عقيدتها القائمة بذاتها. 

غالباً ما يتمتّع التنظيم المجتمعي بِسِمة القاعدية (تنظيم غير هرمي، من الأسفل إلى الأعلى) حيث يلتقي ذوو النفوذ الضعيف نسبياً على المستوى المحلي لطرح مسائل تهمّهم. قد تساهم هذه التعبئة القاعدية في الدفع باتجاه تغيير (أو دعم لها) السياسات التي يقدّمها مسؤولون منتخبون أو معيّنون، متعاونون ويعملون على مستويات أوسع، والعكس صحيح. فقد تساهم التغيّرات السياسية على المستويات المختلفة (التنظيمات النقابية والمهنية، الأحزاب، النواب التغييريون، الفرص السياسية، الانتفاضات والتحركات، الحركات العمّالية، الحركات الطلابية وغيرها) بمساندة التنظيم المجتمعي المحلي ودفعه نحو مواقف أكثر راديكالية، من خلال محاولات التواصل والتعاون بهدف تشكيل شبكات واسعة النطاق لدعم جهود التنظيم القائمة في الأحياء. ويبدو أحياناً أنّ “سرّ” نجاح التنظيمات المحلية والحملات الأهلية هو الاستثمار في هذا التقاطع، وفي الفرص السياسية المتاحة لتحقيق تغيير ولو موضعي13نذكر هنا، “الحملة الأهلية للحفاظ على دالية الروشة” التي تزامنت مع الاحتجاجات اللبنانية بين عامي 2015 و2016 التي عُرفت باسم “طلعت ريحتكن”، والتي استطاعت تحقيق النتائج في ظلّ الفرص السياسية المتوّفرة.. من هنا، لا بد من العودة إلى التجربة الحزبية المحلية السابقة للحرب الأهلية (بشقيها العلماني – القومي وخصوصاً الشيوعي لارتباطه بالقضايا الإجتماعية – وغير العلماني أي الصادر عن الأحزاب الطائفية). أليست هذه التجارب في وجهيها العلماني والطائفي، الشكل المتاح للعمل المحلي؟ وهل من الممكن تصوّر شكل حزبي آخر يكون مستوى عمله محدوداً بـ”تنظيم الأحياء” حصراً؟ وإذا ما نظرنا إلى السياق التاريخي للبنان، واعترفنا بضرورة هذا الشكل من التنظيم، فمن كان مؤهلاً بعد الحرب للقيام به؟14 وهو ما نظرّت له على مستوى الديموقراطية المحلية حملة “بلدي بلدتي بلديتي” عامي 98-1997. كما أنّ تجربة مثل “بيروت مدينتي” تشاركت المقاربة ذاتها، وهو ما نقدم توثيقاً نقدياً له في المقالات المقبلة. تبقى هذه أسئلة مطروحة، أملاً بإيجاد أجوبة لها مستقبلاً. 

كذلك، بإمكاننا العودة إلى الحركات العمّالية التي نشأت في لبنان خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي. فبسبب النزوحات الريفية المتتالية التي بدأت منذ عام 1920، تشكّل حزامٌ من الأحياء الجديدة التي  أوَت العمّال في ضواحي بيروت الأولى على ساحل المتن الشمالي والجنوبي (راس النبع، فرن الشباك، الشياح عين الرمانة، برج البراجنة، سقي الحدث، التحويطة، إلخ) حيث تتمركز المعامل ويكون من السهل الوصول إلى سوق العمل. وقد ساهم الترابط بين العمّال ومكان سكنهم وعلاقاتهم الاجتماعية، خلال الفترة الشهابية التي نشأت فيها مؤسسات الدولة، في خلق نضال عمّالي وحركات عمّالية15يمكن هنا التطرق إلى عدّة أمثلة حول الحركات العمّالية، أبرزها تحركات معمل غندور. سكن عمّال معمل غندور، الذي كان يتمركز سابقاً في منطقة الشياح، ضمن تجمّعات كبيرة في منطقة الأوزاعي، في الشياح، شارع المصبغة، وفي الحيّ السلّم. قام عمّال غندور بتحركات متتالية منذ عام 1967، حتّى التحرّك الكبير عام 1972، حيث عملوا على تأسيس منظّمة عمّالية سرية لتنظيم اللجان العمّالية وقد كانت هذه المنظمة تجتمع في الأحياء. كذلك وعلى إثر رفع سعر الخبز 5 قروش، قام العمّال بمصادرة الأفران في الأحياء. وقد خاض العمّال أيضاً معارك لتخفيض الإيجارات في السبعينيات وطالبوا بتأجير الشقق الشاغرة أو مصادرتها.. بذا، تحوّلت المناطق العمّالية إلى بؤر ثورية ونضالية مسرحها كان الحيّ، المعمل، المدرسة، الأندية ومساحات اللقاء، ما خلق تقاطعاً بين الحركات العمالية الأشمل وحركات الحق بالمدينة والسكن على مستوى الأحياء.16من مداخلة أحمد الديراني، مدير المرصد اللبناني لحقوق العمّال والموظفين، في نقاش حول المساحة الحضرية للعمّال والعاملات في المدينة، أحيائهم مساكنهم، مناطق عملهم، وخطوط تنقّلهم بين المدينة والقرى، ضمن سلسلة ندوات عامة “حوار – مدينة – ناس” من تنظيم استديو أشغال عامة والمعهد الفرنسي للشرق الأدنى، في 20 تشرين الأوّل 2022.

 

٤. ما هي المداخل للتنظيم المجتمعي المحلي؟ 

بالرغم من المحاولات العديدة للتوصّل إلى نموذج مثالي للتنظيم المجتمعي، إلّا أنّه لا توجد طريقة واحدة مثلى للتنظيم يمكن تطبيقها على جميع الحالات. يتم تشكيل التنظيم المجتمعي عادةً عن طريق التجربة (Trial and Error)17(Community Tool Box (ku.edu. ويكون التنظيم المجتمعي عملية مستمرة لا تقف عند حدّ معين، وهي تختلف بحسب اختلاف البعد الزماني والمكاني والعمراني الذي ساهم في نشوء الحيّ وأعطاه خصوصياته وبحسب طبيعة العلاقات الاجتماعية والاقتصادية فيه، كما تختلف بحسب متغيرات أخرى لابد من أخذها في الاعتبار، كطبيعة البيئة التنظيمية، التغيرات التي تحدث في البيئة الخارجية، المجهول والنتائج غير المتوقّعة، وغيرها. ففي طرابلس على سبيل المثال، لا يجدر استعمال الخطاب ذاته المستخدم في بيروت والعكس صحيح. بالتالي، يمكن أن يكون التنظيم المجتمعي متعدّد الأوجه والأشكال، ذو طابع رسمي أو غير رسمي وعضويّ، مركزي أو غير مركزي، قاعديّ أو هرميّ (لجنة حيّ غير رسمية، جمعيّة، حملة، لجان شعبية، مجموعة عمل، لجنة بناية، إلخ) ينتج عن السياق السياسي الاجتماعي الاقتصادي الخاص بالمنطقة والحي، ويتطوّر نتيجة تطوّره. لكنّنا نرى، ومن تجربتنا في العمل على مستوى الأحياء في بيروت وطرابلس وغيرها من المناطق والقرى، بأن المقاربة التي تستطيع أن تساهم بتأمين ديمومة التنظيم المحلي، هي تلك التي تنجح في بناء صلات مع السياق الجغرافي الاجتماعي وتوسّعه، ثم تقوم بالتأثير على الشكل القانوني للتمثيل.

يكتسب الحيّ -كتشكيل مكاني-سياسي-، معنى قد يساهم بتأمين ديمومة حركته السياسيةته، إذا نجحتنا في بناء صلات مع السياقه الجغرافي الاجتماعي وجواره الأوسع، وهو ما يتطلّب أيضاً ترجمته على المستوى القانوني. في المدن الكبرى قد نصل إلى هذه الديمومة إذا نجحنا في مأسسة المجلس البلدي كائتلاف مجالس بلديات منبثقة من المناطق العقارية (12 منطقة عقارية في بيروت أو 8 في طرابلس على سبيل المثال)، كما هو الحال في مدن مثل باريس (arrondissement) أو لندن (boroughs)، علماً أن هذه المناطق المسماة مناطق عقارية هي بالفعل مجموعة أحياء. المقصود هنا، هو إيجاد المستوى الوسطي القادر على جمع الحي بالمدينة، ما يجيز التدخل الأكثر تأثيراًوالإنتظام والتمثيل الثابت. فقط عندئذ، يخرج التنظيم المحلي من مرحلة الحاجة للتنظيم أو الإرادة لتشكيلهصنعه – وهوي ما تعاني منهيتميّز به التجارب في أغلب الأحيان والذيتي يتحول دون ديمومتها- ليصبح جسماً سياسياً ممأسساً ناتجٍ عن واقع ملموس. وما يقال عن المدن ممكن موازاته بالحديث عن مجالس الأقضية التي نصت عليها وثيقة الوفاق الوطني حول اللامركزية الإدارية والتي تمّ بلورتها بمشاريع قوانين ننتظر إقرارها وتطبيقها. 18بول أشقر. (تشرين الأوّل، 2022). مقتطف من مراجعة أجراها على نسخة غير نهائية من النص.

٥. ما هو الإطار الذي يرعى عمل التنظيم المجتمعي؟ 

من المهمّ لأي تنظيم مجتمعي أن يضع، وبشكلٍ تشاركيّ، هيكلية وبنية واضحة تسمح بالمشاركة، ومنهج سلوكي (مبادئ، قواعد، قيم، توقعات، تصرفات)، وميثاق عمل داخلي (نظام داخلي – Bylaws) يحدّد من خلاله آلية اتخاذ القرارات، وأن يضع الأولويات المشتركة، وأن يقوم بتوزيع المسؤوليات والأدوار. تشكّل هذه القواعد المتفق عليها معايير الحد الأدنى للتعاون بين الأعضاء والشركاء، وهي تساهم في خلق أرضية مشتركة بينهم، مبنيّة على المصداقية والشفافية والديمقراطية، وعلى حماية الاستقلالية وتعزيزها في اتخاذ قرارات تعكس مصلحة أعضائها، وتحديد مبادئ جوهرية وقيم ترسّخ مبدأ عدم التمييز والإقصاء (على أساس الانتماء الديني أو الطائفي أو العرقي أو الرأي السياسي أو الجنسية أو الجنس أو الهوية الجندرية أو النوع الاجتماعي أو الميول الجنسية، أو الوضع الاجتماعي أو الاقتصادي أو العائلي، أو العمر أو القدرة أو الإعاقة أو لون البشرة أو الانتماء إلى فئة اجتماعية تعاني من تمييز أو إقصاء)، احترام مبادئ حقوق الإنسان، الامتناع عن إلحاق الضرر  – واحترام الخصوصية والتشاركية في اتخاذ القرارات وغيرها من القيم والمبادئ الأساسية. كما ينبغي أنّ يتطوّر التنظيم بشكلٍ متواصل ليواكب التغيير المستمر لحاجات الجماعة، الداخلية والخارجية. 

٦. في حال وجود إطار خارجي داعم، ما هي حدود إستقلالية التنظيم المجتمعي  المحلي؟ ما هو مصيره في حال فشل أو انسحاب الإطار الخارجي؟

“قد يكون الدعم الخارجي ضرورةً، كما قد يكون فخّاً بالنسبة للتنظيم المجتمعي.19المرجع السابق.” فنادراً ما تجري ترجمة جهود التنظيم المجتمعي  على أرض الواقع دون موارد خارجية، والتي يمكن أحياناً أن تترافق مع بعض القيود أو الشروط. يدفعنا ذلك للقول بأنّه يجدر التعامل مع وجود إطار خارجي داعم للتنظيم المجتمعي المحلي بوعي وحساسية عالية. يمكن أن يلعب الإطار الخارجي على اختلافه (إن كان فرد، مجموعة سياسية، جمعية20بالرغم من أننا وضعنا “جمعية” و”مجموعة سياسية” في خانة الإطار الخارجي، لكن يجدر التفريق بين جمعية تموّل مشروعاً ما حتى لو نتج عنه (أو كان بطبيعته) تنظيم محلي، وعمل حزبي سياسي يكون تنظيم الحي توسيعاً أو تطويراً لنواة له في الحي.، إلخ) دور محرّك  التغيير والمحفّز والميّسر له، دون أن يكون مرجعاً أو وصياً. ويتم وضع حدود للأمور التي من الممكن أن تقع ضمن نطاق تدخّل هذا الإطار والتي يمكن أن تقتصر على تطوير الأدوات والمبادئ العامة وتقديم الدعم التقني والقانوني والذي تستطيع المجموعة استخدامه بحيث يساهم في تقوية موقفها وتوجيه محتوى خطابها. فتحديد دور المحرّك بوضوح منذ البداية، يضمن استمرارية التنظيم المجتمعي المحلي في حال فشل أو انسحاب هذا الإطار الخارجي. يبقى من المهمّ أن يكون للمجموعة استعداد للمبادرة واستقلالية في العمل، دون أن تكون مكبّلة بالمحرّك الخارجي ودون أن تنتظره للعمل. يظهر الدور الذي من الممكن أن يلعبه الإطار الخارجي الداعم والإشكاليات المرتبطة بهذا الدور من خلال تجربتين سنتناولهما لاحقاً، وهما تجربة لجنة حي مار مخايل وتجمّع سكان الأحياء المتضررة من تفجير ٤ آب، كما و”حملة تحت السقف” في مشروع القبة السكني في طرابلس.

٧. من هم الأشخاص المخولين للانضمام؟

غالباً ما يتكلّم باسم الحيّ وسكّانه أشخاص ذوو إمتيازات وهم عامة رجال، أفراد من العائلات الكبرى، رجال دين، أعضاء منتمون إلى الأحزاب، “بلطجية الحيّ”، كبار المالكين، ممثّلو قوى الأمر الواقع، شخصيات مهيمنة بفعل علاقات القوة والسلطة، وغيرهم. وبالتالي، غالباً ما يتمّ تهميش النساء والشباب والفئات المستضعفة الأخرى وتغييب أصواتهم وحاجاتهم. بالمقابل،  يُنظر الآن إلى تنظيم الشابات والشباب، كما والنساء عامةً، على أنه طريقة مناسبة لمراكمة القوة وبناء القدرة على إحداث تغيير اجتماعي. فالنساء (في سياق طرابلس على سبيل المثال) هنّ الأكثر تواجداً فى الحيّ والأكثر إلماماً بحاجاته، كما أنّهنّ الأكثر فاعليةً على الأرض، لكن غالباً ما يتمّ تناسي جهودهن. 

بالمقابل، يجدر أن يتخطّى التنظيم المجتمعي هدف جمع كلّ الناس، واعتبار أنّ ذلك سوف يؤمّن تمثيلهم. فعلى الرغم من كون عملية ربط فئات مختلفة معاً وضمان التواصل فيما بينها نتيجةً شبه جيّدة لجهود التنظيم المجتمعي، إنّما ذلك لا يضمن بالضرورة التمثيل الحقيقي للحيّ، ومن المهمّ أن نتيقن لهذا الفرق. بمعنى أن التمثيل الحقيقي لا يكون بالضرورة بتواجد كل الفئات، إنّما بردم الفجوة السياسية التي تسمح بتمثيل أكبر لمن يملكون امتيازات أكثر. بذلك، تكون لجان الحي مكاناً لتمثيل من تجعل المسارات التمثيلية الرسمية تمثيلهن\م صعباً أو مستحيلاً. بالتالي، يمكن بدايةً خلق نواة، ليس بالضرورة تمثيلية، على أن تتوسّع تدريجياً وتكون دامجة وديمقراطية وتشاركيّة وفقاً لأطر ومعايير محددة. فإذا ما وُجدت لجانُ أحياءٍ، أو تنظيمات محلية دامجة حول قضايا مشتركة، يمكنها أن تكون ناطقاً أميناً باسم الحيّ ومشاكله ومطالبه وحاجاته وآماله، وأن تتحوّل إلى عنصرٍ فاعلٍ في حياة المدينة.

٨. ما هي الأدوات للبدء بالتنظيم المجتمعي المحلي؟

ينطلق أي تنظيم مجتمعي محلي من خلال فهم إطار المجتمع المحلّي ومعايشته وليس دراسته من الخارج، وذلك عن طريق معرفة قيمه، حدوده، معاييره، سكانه، أصحاب السلطات فيه، إشكالياته، حاجاته وأولويات أهله، موارده البشرية والمادية المتاحة. ويقسم هذا العمل إلى جزء بحثي وجزء تنظيمي. يمكن أن يبدأ العمل على جمع المعلومات والعمل على التواصل وبناء العلاقات، عبر أدواتٍ متعددة مثل النقاش المباشر مع الناس على الأرض (في الشارع، الدكان، مع الجيران، إلخ)، التواصل مع مفاتيح الحي، الفاعلين، المخاتير والناشطين، استخدام المطبوعات (مناشير، دعوات للقاء، خرائط، ملصقات، الكتابة على الجدران، دليل، نشرة دورية، مقالات في صحف محلية)، استخدام منصات التواصل الاجتماعي، ومجموعات الواتساب (لإطلاق حملة وبناء التواصل)، استخدام الفيديو والأفلام لتوضيح قضية، سردية وأحداث تاريخية، مقابلات، توثيق تجارب، توضيح مشاكل وميزات، وعرض أفلام اجتماعية أو سياسية قصيرة ومناقشتها مع الحضور في المساحات العامة، الصبحيات، جولات في المدينة، اجتماعات وندوات مفتوحة في الحي لمناقشة مواضيع تهمّ الجميع وغيرها. تُستخدم هذه الأدوات لجمع المعلومات البحثية وتوظيفها لبناء خطاب واضح وبلورة أهداف محددة.

٩. كيف تؤمَّن استدامة التنظيم المجتمعي واستمراريته؟

يعتبر البعض أن ما يستطيع أن يجمع الناس هو فقط مصلحة أو قضية مشتركة، خصوصاً نتيجة سيطرة الأحزاب الطائفية وهيمنتها على مصالح الناس والخدمات التي يحتاجون. فعندما تبدأ المسألة التي نشأ التنظيم حولها بالخبو، قد يصاب التنظيم المجتمعي بالنفس الحالة. من جهة أخرى، فقد تخسر التنظيمات التي تستمر بعد أن تهمد المسألة، أعضاءها، إلاّ في حال عادت وأحيت نفسها عبر طرح مسائل أخرى ناشئة.21(Community Tool Box (ku.edu تبقى المعضلة في هذه الحال، تحقيق التوازن بين الحملة المتعلّقة بالقضية المرحلية من جهة والعمل المستمر لضمان النمو والتطور وتأمين الاستمرارية، بغض النظر عن الفوز أو الخسارة. في كلّ الأحوال، ومن أجل إحداث الفرق، يجب أن يستمر مَن يقوم بالتنظيم المجتمعي بهذه المهمة لفترة طويلة. ويتطلّب ذلك وقتا طويلاً، ومتابعة دقيقة، وجهوداً جمّة لتعبئة الناس من أجل التحرّك. ويحتاج التنظيم المجتمعي أحياناً إلى تحقيق مكاسب، ولو صغيرة، على المدى القصير. دون هذه المكاسب، يصبح من الصعب الحفاظ على الأعضاء الحاليين أو جذب أعضاء جدد، ويصبح التنظيم المجتمعي مهدداً بالتقلص والتفكك، إذ إنّ الناس غالباً ما يريدون رؤية النتائج. كما أنّ تحقيق أي إنجاز يعطي نوعاً من الشرعية حتّى بعد انتهاء القضية.

من جهة أخرى، يجدر أحياناً تقبّل فكرة نهاية العمل التنظيمي، على أن تكون التجربة قد أسست أرضية وبنى تحتية (ترسيخ مبادئ، تجميع بيانات بحثية، بناء علاقات) تسمح لنموذج أن يعيش على بقايا نموذج آخر عند توفّر الظروف لذلك، وهو ما يُعرف بالعمل التراكمي الذي يقوم على تنظيم علاقات وتشكيل شبكات جديدة انطلاقاً من علاقات قديمة، لتصبح أساساً لمجموعة جديدة للتحرك. فأيّ تنظيم مجتمعي، حتّى في حال لم ينتج تغييرات ظاهرة، قد يساهم في تطوير المبادىء وفي بناء القدرات لطرح مسائل جديدة في المستقبل. لذلك، من الضروري لممارسي التنظيم المجتمعي وضع الوقت الكافي لتوثيق وتقييمه ورؤية ما حققته المبادرات المجتمعية فعلياً، والتأمل بالدروس المستفادة لتكون أساساً لأي تنظيم مجتمعي مستقبلي.

١٠. كيف يتمّ التعاطي مع التحديات وكيف نتعامل مع السلطة\ات والأحزاب المسيطرة ونمنعها من استغلال التنظيمات المجتمعية وخرقها؟ 

لا يخلو أي تنظيم من تحدّيات داخلية وخارجية قد تواجهه. فهناك تجارب سابقة أثبتت صعوبات هذا العمل، منها ما هو خاص بالسياق اللبناني ومنها ما هو أكثر عموماً. أمّا أبرز هذه التحديات فتتلخّص بصعوبة إنتاج الهيكلية، النظام الداخلي وخطة العمل-، أو بعدم وجود رؤية واضحة وآليات لاتخاذ القرارات، بروز صراع قوة بين الأفراد وهيمنة الأكثر قوة\امتيازاً، أو بفقدان الأمل بإمكانية إحداث التغيير وبنجاعة العمل التراكمي الذي يبدو غير مضمون النتائج، بالإضافة إلى تفاصيل مهمة، كالعمل بوتيرة بطيئة، عامل الإحباط، الرغبة في الإنجاز السريع، الرغبة في تظهير الإنتماء السياسي أو الطائفي، عدم وجود تمويل كاف، عدم تحقيق نتائج ملموسة، الأزمة في القيادة التشاركية (وعدم وجود مفهوم “المشاركة” أو التنظيم القاعدي غير الهرمي) وعدم وجود نماذج أخرى يمكن الاقتداء بها، غياب العنصر الشاب عن التنظيم، التمييز ضدّ الفئات المهمشة، ضعف ثقة الناس بالأطر التمثيلية وعزوفها عن المشاركة السياسية، ضعف الترابط الاجتماعي في بعض أحياء والشعور بعدم الانتماء، التدخلات الحزبية، السياسية، الاجتماعية أو العائلية، تحويل التنظيم إلى متاريس مصغرّة تعكس الوضع السياسي العام، التعرّض للاستغلال لتمرير أجندة سياسية، عزل القضية عن السياق العام، ارتباط العمل التنظيمي بسياق سلبي (سياق أمني على سبيل المثال)، غياب الخلفية السياسية للتنظيم (فيكون التركيز على مسألة معينة دون خلق خلفية سياسية نقدية للنظام والسلطة مثلاً)، السياق السياسي الرأسمالي العام في لبنان والثقافة “الفردانية” التي ينتجها (بحيث أنّه لا يحضّر الأفراد والجماعات للعمل السياسي الصحيح نتيجة غياب التثقيف السياسي عن ماهية المسؤوليات السياسية الجماعية)، كما أصبحت مسألة عدم التصويت ضمن مكان السكن عائقاً أساسياً يطرح إشكالية متعلّقة بموضوع التمثيل على الصعيد المحلي.

في هذا الإطار أيضاً، وبما أنّ السلطة تسعى بشكلٍ مستمرّ لاستدامة استقرار علاقتها مع المجتمع وترسيخ سيطرتها عليه بهدف الإبقاء على الستاتيكو أو بهدف احتواء أي تغيير ناشئ واختراقه وشلّه (كأسلوب من أساليب الضبط الاجتماعي وكشكل من أشكال العنف البنيوي من قبل الدولة تجاه المجتمع بشكلٍ عام وأهالي الحي بشكلٍ خاص)،  فإنّ أي تنظيم مجتمعي قد يصبح هدفاً للنظام سواء من خلال السيطرة عليه، أو تفريغه من مضمونه وإبعاده عن العمل السياسي الجديّ. كلّ هذه التحديات وغيرها، تستوجب منا التفكير فيها وإيجاد الحلول لها، جماعياً. ولعلّ التنظيم المجتمعي المحلي الأمثل الذي نطمح إليه، وبدلاً من أن نصل إليه يوماً ما في المستقبل، هو ما نعيشه، ونسير ونعمل من أجله كلّ يوم.

توثيق تجربة: لجنة حي مار مخايل وتجمّع سكان الأحياء المتضررة من تفجير 4 آب

على إثر الاحتجاجات اللبنانية في 2015-2016 -والتي عُرفت أيضاً باسم مظاهرات “طلعت ريحتكن”22بدأت الاحتجاجات الشعبية في 22 آب 2015. وجاءت كرد فعل على تراكم النفايات في شوارع بيروت والمناطق وعجز السلطة السياسية عن معالجة الأزمة، ثمّ تحولت إلى احتجاجات على الأوضاع المتدهورة في لبنان23أبرزها أزمة الكهرباء والبطالة وغلاء أسعار العقارات وازدياد الدين العام الحكومي وغيره.– نشأت حملة “بيروت مدينتي” في نيسان 2016 كحملة سياسية يقودها متطوعون ملتزمون خوض معركة الانتخابات البلدية في أيار 24خلال الانتخابات البلدية في بيروت لعام 2016، فازت بيروت مدينتي بإحدى دوائر بيروت الانتخابية الثلاث، لكنها خسرت في جميع الانتخابات بنسبة 40% مقابل قائمة “البيروتيين” المدعومة من سعد الدين الحريري.2016، بهدف إيصال مجلس بلدي لتنفيذ برنامج25قامت “بيروت مدينتي” ببناء حملتها حول برنامج من ١٠ نقاط يتمحور حول التنقل، المساحات الخضراء والأماكن العامة، السكن الميسور، إدارة النفايات، التراث الطبيعي، المجتمع المساحات والخدمات، التنمية الاجتماعية والاقتصادية، الاستدامة البيئية، الصحة والسلامة، الإدارة البلدية. ترتكز “بيروت مدينتي” على قيمها الجوهرية باعتبارها أولوية الصالح العام والعدالة الاجتماعية والشفافية ورعاية مدينتهم للأجيال القادمة. محوره الناس وأولوياته العيش في مدينة بيروت.

إنطلاقاً من التجارب التي تمّ مراكمتها خلال المبادرة الأولى لخوض الإنتخابات البلدية، وبهدف خوض الانتخابات البلدیة المقبلة، وفي ظلّ الفراغ السياسي الحاصل في بعض أحياء بيروت، عمدت “بيروت مدينتي” بعد الانتخابات البلدية (أيار 2016)، إلى استخدام أدوات مختلفة ضمن رؤيتها السياسية. فكان أبرزها العمل على صعيد الأحياء بهدف خلق مجموعات فاعلة في كلّ حيّ، على أن تكون هذه المجموعات دائمة وأن تسعى لبناء التواصل المباشر مع شرائح المجتمع كافة، وذلك بدعم نوعي من متطوعي “بیروت مدینتي”، وبمشاركة الأفراد وسكان الأحياء بغض النظر عن خلفياتهم السياسية الدينية الاجتماعية الثقافية. وقد ساهم هذا التواصل أيضاً بالتعریف بمبادىء “بیروت مدینتي” وأهدافها. وقد كانت هيكلية هذه المجموعات الداعمة، مختلفة ومستقلة عن هيكلية “بیروت مدینتي”، مبدئياً. على أن يكون الأفراد المبادرون ببناء عمل جماعي\مجموعة داعمة في الأحیاء هم أعضاء في “بیروت مدینتي” – فينشطون كممثّلي مجموعات الأحیاء في “بیروت مدینتي”، وكممثّلين من “بیروت مدینتي” في الأحیاء- بالتالي لا تقتصر مجموعة الحيّ على أعضاء “بیروت مدینتي”، ولا تغیب “بیروت مدینتي” عن النواة المؤلفة في كلّ حيّ. لم يكن هدف هذا العمل، من الناحية النظرية، إنتخابي بحت. لذلك كانت المجموعات المنوي تشكيلها تشمل سكان المدينة جميعاً وليس فقط الناخبين. وقد بدأت عملية الدخول إلى الأحياء من خلال تعبئة استمارات وخلق مساحة نقاش داخل الأحياء، لتتطوّر لاحقاً نحو العمل الميداني وتنظيم نشاطات في الأحياء.

نتيجةً لهذه الاستراتيجية في العمل على المستوى المحليّ، كانت مجموعة مار مخايل التي بدأت عملها في تشرين الثاني ٢٠١٦، مع خمسة أشخاص من سكان الحيّ، من ضمنهم عضو في  “بیروت مدینتي”، بالإضافة إلى أشخاص اهتموا بهذا الشكل من التنظيم. وبعد سنة على تشكيلها، أصبحت لجنة حي مار مخايل تضمّ حوالي خمسين شخصاً من سكان الحيّ القدامى والجدد. انطلقت هذه المجموعة كمجموعة تبحث في أمور السكن والمهن المهدّدة، وتأثّر المساحات والخدمات العامة سلباً بقطاع الحانات ومواقف الـ “Valet Parking”، وتعمل على حملات للضغط بهدف تظهير القضايا التي تؤثّر على حياة السكان بشكل مباشر، وتوحيد الجهود والنضالات الیومیّة التي يخوضها السكان بشكل فردي، وبالتالي تحويلها إلى مبادرة جماعية قادرة على الدفاع عن حقوقهم ومصالحهم المشتركة. 

اعتادت هذه المجموعة اللقاء أسبوعیاً في بيت أحد الأعضاء، دون أن يكون لها مركزاً دائماً للقاءات أهالي الحي ونشاطاتهن\م. لم تخل هذه الجلسات من مناقشة دوریّة حول المواضيع المصيرية المتعلّقة بالحيّ، كما وتجميع معلومات من شأنها أن تحدّد العلاقة بين سكان المنطقة والعاملين فیها، من أجل استنباط سیاسات لتحسين وضع الحيّ ومستقبله. بدأت المجموعة عملها بالتواصل مع مجموعات أخرى وأفراد بهدف فهم القضايا الأساسية التي تهمّ السكان، عبر لقاءات مصغّرة وأحاديث فرديّة (one to one meeting)، وتحضير لائحة بالأشخاص المؤثرين اجتماعياً وأماكن اللقاء، وتحويلها إلى خارطة قوى. ثمّ انتقلت إلى بناء المعارف والتحالفات عبر التواصل مع الأشخاص المؤثرين، وتنظيم سلسلة من الاجتماعات الأولیة بين السكان حول أولوياتهم ورؤيتهم لعمل الحيّ. ساهمت هذه الأدوات تدريجياً بنمو المجموعة، كما ساهمت اللقاءات الأولية هذه بتكوين اتفاق ضمني للتركيز على إشكالية البارات المنتشرة في الحيّ وتأثيرها على سكانه. وتمّ بعدها إنشاء مجموعة عبر “الواتساب” لتسهیل التنظیم والتواصل السریع. تباعاً، توصّلت المجموعة إلى بلورة المطالب والترويج لها على نطاق الحيّ، حيث دعت السكان إلى حضور سلسلة لقاءات عامة وندوات، استطاع السكان من خلالها مشاركة همومهم وهواجسهم، وقد كان أبرزها التأثير السلبي للحیاة اللیلیة علیهم. كانت هذه اللقاءات العامة -والتي كان عددها ثلاث ونُظِّمَت في مواقع استراتيجية في الحي- نقطة تحوّل حاسمة وأساسية لنمو المجموعة، بحيث أدّى التفاعل غير الرسمي مع المارة، ومع السكان الذين قرروا النزول من منازلهم للانضمام إلى هذه اللقاءات، إلى تعبيرهم عن الاهتمام بالمشاركة، وتسجيل أسمائهم للانضمام إلى مجموعة “الواتساب”. وتمّت كتابة عريضتين26عريضة موّجهة إلى وزارة السياحة وعريضة إلى المجلس البلدي ومحافظ بیروت. بهذا الخصوص. 

ثم ما لبث أن تطور عمل المجموعة إلى الضغط على السلطات والعمل الإعلامي من خلال مقابلة المحافظ، وكتابة لافتات ووضعها على الشرفات كتحّركٍ سلمي. تبع ذلك ظهور إعلامي ضمن برامج تلفزيونية، ومقالات صحفية وتنظيم مؤتمر صحفي تحت عنوان “مار مخایل حيّ سكني، و ما بِصیر سیاحي بشخطة قلم”. وقد كانت المجموعة تناقش سقف المطالب وكیفیة بناء السردية قبل وبعد كل حديث إعلامي. استمرّ السكان بالتفكير بأساليب مواجهة التحدیّات عبر موجة اتصالات وشكاوى، بموازاة الضغط السكاني. وقاموا ببحث قانوني حول واجبات الحانات ومسؤولياتها، لتُكتب على أساسه مذكّرة تفاهم بإمكانها أن ترعى العلاقة بین نشاطات السكن والسياحة، وأن تشكّل بدايةً لنقاش مدیني واسع. إلّا أنّ هذه الوثيقة لم تلقَ تجاوباً من أصحاب الحانات. بعد هذه المرحلة، ظهرت الحاجة إلى التقییم وتوسيع المجموعة ونطاق عملها. 

لكن عملياً، وبعد حوالي سنة على بداية إنشائها، توقّفت المجموعة تدريجياً عن العمل. لم تكن آلية اتخاذ القرار فيها واضحة، وقد بدأت تضعف مع تراجع نشاط “بيروت مدينتي” كإطار خارجي داعم كما لم تخلُ هذه التجربة من محاولة بعض السياسيين المحليين استغلال هذه المجموعة وادّعاء تمثيلها. . ومع اندلاع انتفاضة 17 تشرين عام 2019 في لبنان، لم يستطع أعضاء اللجنة، المشاركة كمجموعة فاعلة على المستوى المحلي للتحركات، بسبب الانتماءات السياسية المختلفة للأعضاء.

بقي الأمر على حاله حتى 4 آب 2020، تاريخ التفجير الذي ضرب بيروت ومرفأها، والذي كان حصيلته مقتل أكثر من 200 شخصاً، إصابة أكثر من 4000 آخرين، وتضرّر مباشر لنحو ٥٠ ألف وحدة سكنية. وقد كانت مار مخايل وجوارها أحد الأحياء الأكثر تضرّراً، ممّا شدّ من عضد سكّانها ووحّد جهودهم على الرغم من الإختلافات السياسية، فساهم ذلك بتوحيدهم ككتلة سياسية متراصّة ضد السلطة. عندها، وإيماناً منهم بأهمية التضامن الاجتماعي والتعاضد أمام تفجير المرفأ وخوفاً من إقصاء الناس وتغيبهم عن المواضيع التي تتعلّق بحياتهم وإعادة تأهيل أحيائهم، ونظراً لضرورة تشكيل أطر تنظيمية و/أو تمثيلية دائمة لأصحاب الحقوق والمتضرّرين والسكان لتفعيل دورهم واسترداد صوتهم في النقاش حول أولويّاتهم وهمومهم المشتركة27بخاصّة فيما يتعلّق بضمان سكنهم، وإنتاج السياسات العامّة لإعادة الإعمار، والعلاقة مع الجهات المانحة والجمعيات.، قامت “المفكرة القانونية” و”استديو أشغال عامة” بسلسلة من الجلسات داخل الأحياء، هدفها طرح مبادرة تكوين نواة لتشكيل تجمّعات تضمّ المتضررين من ذوي الضحايا والمفقودين، المتضرّرين جسدياً وذوي الإعاقة28لجرحى، ومن ضمنهم من أصيبوا بإعاقة جسدية مؤقتة أو دائمة. وسكان المناطق والأحياء المتضررة29يمكن أن تشمل هذه الفئة سكّان المناطق المتضرّرة، ومنها الرّميل (التي تشمل الجمّيزة)، المدوّر (التي تشمل مار مخايل(، الكرنتينا (الخضر والسيدة)، الصيفي، المرفأ، الباشورة، الأشرفية، زقاق البلاط، برج حمود. كما وتشمل أعضاء من المؤسّسات التجارية والصناعية والثقافية التي تقع أماكن عملها ضمن المناطق المتضرّرة (التجّار، المطاعم، القطاعات الإبداعية، الحرفيون، المؤسّسات الإعلامية)، كذلك العمّال الأجانب والفئات المهمّشة الذين تضرّروا جرّاء التفجير مثل عاملات المنازل والعمّال الأجانب ذوي الدخل المحدود، وغيرهم من الفئات الاجتماعية المهمّشة.. وكان الهدف أن تكون هذه المجموعات مساحة يلتقي من خلالها ضحايا التفجير والمتضرّرون منه، من أجل التعاون في المطالبة بحقوقهم في الوصول إلى الحقيقة والعدالة، وتشكيل قوّة ضغط أمام الجهات الرسمية وغير الرسمية، وكي لا يتم التعاطي معهم فردياً ويتمّ تحويلهم إلى متلقّي مساعدات فقط، خصوصاً أنّ مسار العدالة والتعويض وإعادة الإعمار في قضية تفجير المرفأ سيمتدّ لسنوات. 

بذا، تشكّلت شبكة دعم لكافة التجمّعات، تضمّ جمعياتٍ مختلفة تُعنى بالقانون والعدالة والحقوق السياسية والمدنية والاجتماعية والاقتصادية والعمرانية، والدفاع عن حقوق الفئات المهمشة. كان دور “المفكرة القانونية” هو الدعم القانوني للتجمّعات المختلفة، خاصّة من أجل تأسيس جمعيات أو شركات لا تتوخّى الربح، أمّا دور “استديو أشغال عامة”، فكان الدعم اللوجستي لتجمّع سكان الأحياء المتضررة بشكلٍ خاص. على أن تكون هذه الجمعيات إطاراً داعماً للتجمعات وليس مرجعاً لتحرّكاتهم ونشاطاتهم. سنركّز، فيما يلي على “تجمّع سكان الأحياء المتضررة من تفجير ٤ آب” وعلاقته التراكمية مع “لجنة حيّ مار مخايل”.

خلصت الجلسات المفتوحة في الأحياء إلى تشكيل نواة لتجمّع سكان الأحياء المتضررة، ضمّت سكاناً من أحياء مختلفة، منها حيّ السيدة والخضر في الكرنتينا، مار مخايل والجميزة والجعيتاوي وزقاق البلاط. وقد تمّ الاعتماد بشكلٍ جزئي على الشبكة التي تمّ بناؤها سابقاً مع “لجنة حيّ مار مخايل” لتشكيل نواة التجمّع، كما أصبح بعض أعضاء “لجنة حيّ مار مخايل” السابقة جزءاً من هذا التجمّع. بعد جلساتٍ عديدة مع هذه النواة، التي شكلّت الهيئة التأسيسية للتجمعّ، تمّ الاتفاق على الأهداف الأساسية30يسعى التجمع بشكلٍ عام إلى تحقيق العدالة الكاملة للمناطق المتضررة ولأي شخصٍ من سكّان و/أو أصحاب الأعمال التجارية و/أو أصحاب الحرف و/أو المهن الحرة و/أو الفنانين المقيمين أو العاملين فيها، ويسعى لأن يكون قوة ضاغطة أمام الهيئات العامة والرسمية والمؤسسات الدولية وغير الرسمية، وإلى توفير مساحة مشتركة للسكان للعمل والمناصرة، وتعزيز العمل الجماعي الموّحد للوصول إلى العدالة وضمان الحقوق. بالتفاصيل، تتلّخص الأهداف الرئيسية للتجمّع بـ: إحقاق حق السكان في التعويض الكامل والعادل؛ الوصول إلى المعلومات فيما يتعلق بالتحقيقات وسياسات إعادة الإعمار؛ المحافظة على حقوق، السكان المنصوص عليها بالقانون الدولي والقانون اللبناني؛ ضمان التمثيل المشترك للسكان الأعضاء في جميع محافل صنع القرار؛خدمة السكان والتعاون مع شركاء ومؤسسات لتقديم كافة أنواع الدعم؛ معالجة المظالم الناتجة عن تفجير المرفأ بشكل جماعي وتكوين مواقف مشتركة؛ العمل نحو تحقيق تعافي حقيقي للأحياء المتضررة وحماية سكانها من التهجير. ومسودّة النظام الداخلي ومدونة قواعد السلوك وشروط التعامل والمبادئ31مبادئ التجمّع: نبذ الطائفية والمناطقية، عدم التمييز، الامتناع عن إلحاق الضرر، احترام مبادئ حقوق الإنسان، الشفافية واحترام الخصوصية، والتشاركية في اتخاذ القرارات. التي ترعى عمل التجمّع، على أن يتمّ تسجيله رسمياً كجمعية عبر أخذ العلم والخبر من الوزارة المعنية. ولا يدّعي التجمّع تمثيل السكان، وإنما يسعى لأن يتكوّن من السكان الذين يعملون من أجل مصلحة السكان ككلّ، على أن يصبح بعد التسجيل الرسمي وبعد انضمام عدد أكبر من السكان إليه، إطاراً أكثر تمثيلاً؛ إذ ينصّ نظامه الداخلي على انتخاب الهيئة الإدارية التي من المفترض أن تجمع ممثلين عن كلّ حيّ من قبل أعضاء الهيئة العمومية، من ممثّلات\ين عن أحياء أو عن الفئات الاجتماعية.

بموازاة العمل مع نواة التجمّع، قام “استديو أشغال عامة”، ولمدّة ستة أشهر، بالاستعانة بـ 11 منسقّ/ة محلي/ة عن 9 أحياء وعن الفئات الاجتماعية المهمشة32الأحياء: الباشورة، الكرنتينا الخضر، الكرنتينا السيدة، الجميزة، شارع الخازنين، الروم، البدوي، مار مخايل؛ الفئات الاجتماعية: اللاجئين السوريين، العاملين/ات الأجانب.، وذلك بهدف تعريف سكان الأحياء على التجمّع ورصد التغييرات داخل الأحياء. وتم ذلك أيضاً على اعتبار أنّ وجود منسّقين من داخل الحيّ، وهم الأدرى بمشاكلها والتحديات التي تواجه سكانه، سيسمح بالوصول إلى عدد أكبر من السكان، وسيكون عاملاً يبني الثقة بينهم وبين السكان؛ وعلى اعتبار أنّه، وبعد مرور هذه الفترة، سينضوي السكان والمنسقات\ون شيئاً فشيئاًن وبشكلٍ فعّال تحت مظلة التجمّع. خضع أعضاء نواة التجمّع والمنسقين إلى عدد من التدريبات القانونية والحقوقية والإعلامية والعمرانية، كما تمّ إنتاج مسح مفصلّ لإشكاليات الأحياء، وتمّ مسح الفاعلين والمبادرات والآليات الحالية المحلية والدولية33على الصعيد الرسميّ، على صعيد نقابة المهندسين، على صعيد المنظمات والمبادرات الدوليّة والمحليّة، على صعيد المستثمرين الدوليين. التي تُعنى بموضوع إعادة تأهيل الأحياء، ليقوم التجمّع على أساسها بوضع استراتيجية عمله. هكذا، وُضعت خطة عمل أولية للتجمّع، بعد تطوير المطالب والأولويات. وقد حصلت هذه اللقاءات في “مانشن” في زقاق البلاط، كونه مكان مهيّأ لهذا النوع من الاجتماعات ومفتوح لها ومرحِّب بها. وعلى الرغم من أهمية هذا المكان كمساحة عامة للتفاعل والنقاش، إلّا أن بُعدَه النسبي عن مكان سكن معظم أعضاء نواة التجمّع (أي داخل المناطق المتضرّرة من التفجير)، شكلّ عائقاً أمام استخدامه لعقد الاجتماعات اللاحقة.

إلى جانب ذلك، نُظِّمت لقاءات عديدة داخل الأحياء لتعريف السكان بالتجمّع وتحفيزهم على الانضمام. ساهم المنسقات\ون بتنظيم هذه الجلسات ودعوة السكان إليها، كما قاموا بتوزيع مناشير تعريف التجمّع في الأحياء وتعبئة استمارات مخصصة للانضمام إلى التجمّع. كما عملوا على التواصل مع محيطهم القريب للتعريف على التجمّع، ثمّ وسّعوا دائرة التواصل شيئاً فشيئاً إلى لجان البنايات المجاورة، والمعارف العائلية والمهنية الموجودين في الحي، إلى جانب مفاتيح الحيّ من مخاتير، وكاهن الرعية والكشافة والمحلات التجارية والدكاكين. كما كان لهم حضور في الشارع بمساعدة “استديو أشغال عامة”، عبر “كيوسك” (كشك خشبي) للتعريف عن التجمع وجمع عدد من الأشخاص المهتمين بالانضمام. واجه أعضاء التجمّع تحديات عديدة منذ بداية العمل. فقد كانت نواة التجمعّ غائبة عن عدد من النشاطات المذكورة،  وتأجلت الاجتماعات التحضيرية للتأسيس مرات عدّة بسبب الإغلاق التام الذي فُرض لاحتواء فيروس كورونا، كما انسحب عدد من الأعضاء شيئاً فشيئاً، إن كان بسبب عدم قدرتهم على الالتزام أو بسبب انتماءاتهم السياسية. وقد كان للأزمة الاقتصادية والضغوطات المالية ثقلاً إضافياً عليهم، خصوصاً وأنّهم كانوا يحاولون ترميم منازلهم وأُجبر البعض منهم على السكن خارج العاصمة حتى الانتهاء من عملية الترميم. كما سيطر الإحباط والتعب على المجموعة، ورافق ذلك قلة المبادرة لدى الأعضاء لعقد الاجتماعات الشهرية التي ينصّ عليها النظام الداخلي. كما واجهوا صعوبةً في حثّ أعضاء جدد للانخراط إلى التجمّع: كانت الأغلبية الساحقة من السكان تؤيد المسألة، ولكن لم يكن هناك استعداد للانضمام بشكلٍ فاعل وناشط للمجموعة.

خلال التحضير لذكرى مرور سنة على التفجير، عادت المجموعة ونشطت، فشاركت في تنظيم نشاطات إحياء هذه الذكرى، لكنّها دخلت بعدها من جديد فترةً من الجمود. كذلك، وبعد انتهاء مدّة عملهم، لم ينخرط المنسّقون بشكلٍ فعّال في التجمّع، خصوصاً وأن فترة عملهم تزامنت مع فترة من الركود داخل التجمّع. بالرغم من ذلك بقي البعض منهم على تواصل مع التجمّع، مشاركين أحياناً في اجتماعاته. استمرّ الوضع على حاله، إلى أن اتُخذّت بعض الخطوات التحفيزية التي ساهمت بتحريك المجموعة وعودة نشاطها من خلال ربط التجمّع بإطار خارجي (كنقابة المهندسين وغيرها)34نقابة المهندسين في بيروت، المقرّر الخاص المعني بالفقر المدقع وحقوق الإنسان (UN special rapporteur)، تجمّع نقابة الصحافة البديلة، تجمّع أهالي الضحايا، خبراء دوليين معنيين بالحق السكن ومجموعات محلية أخرى يتمّ إنشائها داخل الأحياء.، وترافق ذلك مع انضمام أفراد فاعلين جدد إلى المجموعة.  

على إثر كلّ هذه التطورات، تقرّر متابعة عملية مأسسة التجمّع، وتمّ تقديم العلم والخبر لتأسيس الجمعية. وقد فتح اجتماع مع نقابة المهندسين ونقيب المهندسين، الباب أمام التجمع لتأمين أوّل اجتماع لهم مع محافظ بيروت. كما شارك بعض الأعضاء بالحملة التي تنظمها نقابة المهندسين للحفاظ على أهراءات القمح، وشاركوا بالتحركات الشهرية لعائلات الضحايا ولو بشكلٍ خجول. تمكن التجمّع بعد هذه المرحلة من الانطلاق والعمل بشكلٍ مستقلّ نسبياً. 

مع عودة قضية البارات إلى الواجهة، تحديداً في أحياء مار مخايل والجميزة، نشأت مجموعة مستقلّة ضمن التجمّع لمتابعة القضية. كان لذلك آثار ايجابية، إذ انضم أفراد جدد مهتمون بموضوع البارات إلى التجمّع. واعتبر تأسيس التجمّع رافعة لحملة الحيّ. من خلال هذه الحملة – لن ندخل في تفاصيلها الكاملة- تمّ تقديم عريضة وشكاوى للجهات المعنية وتمّ الضغط على المسؤولين من خلال زيارات مستمرّة لهم (وزراء، مسؤولين أمنيين، نواب المنطقة والمحافظ)، كما نُظّمت زيارات فردية في الحيّ إضافةً إلى لقاء عام جمع عدداً من السكان. ساهمت هذه الحملة أيضاً بتحفيز عدد من سكان منطقة الجعيتاوي للعمل على موضوع الضغط على أصحاب المولدات الكهربائية لحثّهم على تركيب عدادات، كاتم للصوت وفلاتر للمولدات.

من جهةٍ أخرى، طغت قضية البارات على كامل القضايا الأخرى وتمّ تأجيل المطالب المشتركة بين الأحياء. قد يكون ذلك مرتبطاً بأنّ العدد الأكبر من الأعضاء والأكثر نشاطاً هم من سكان مار مخايل، كذلك من واقع أنّ قضية البارات وتأثيرها على الحيّ عادت وتضاعفت بعد التفجير بالرغم من كون المنطقة منكوبة. استطاعت مجموعة مار مخايل الجديدة جمع أعضاء جدد والتعاون معهم بسبب وجود شبكة سابقة وأرضية جاهزة لذلك وبسبب تمرّس أعضائها ببعض أدوات العمل المجتمعي من خلال تجربتهم الماضية، ولكون هذه القضية أكثر إلحاحاً، وربما لإدراكهم أنّه من الممكن إحداث تغيير من خلالها فيما يبدو التغيير أكثر صعوبةً في مواضيع أخرى. بالمقابل، عجزت الأحياء الأخرى عن التقدّم والانطلاق بشكلٍ مستقلّ بلجان أحياء، خصوصاً في منطقة الكرنتينا-المنطقة الوحيدة المفصولة مادياً عن باقي الأحياء من خلال أوتوستراد شارل الحلو- والتي شعر سكانها الأعضاء بالغربة عن قضية البارات، لاختلاف واقعها عن واقع مار مخايل، بالإضافة إلى الاختلاف في الطبقات الاجتماعية بين هذه الأحياء. ورغم وجود نظام داخلي يرعى عمل التجمّع، فلم يتم تفعيله حتى الآن، من تقسيم الأدوار بين أعضاء الهيئة التأسيسية، إلى الالتزام بمواعيد الاجتماعات الشهرية، وغيرها. وقد لعب عدم وجود مساحة ثابتة ومركزاً في الحيّ دوراً سلبياً في جعل عملية اللقاء وعقد الاجتماعات أكثر تعقيداً وبوتيرة منخفضة. أخيراً، لا بدّ من إعادة النظر بالدور الذي لعبه الإطار الخارجيّ الداعم للجنة مار مخايل (“بيروت مدينتي” كحملة سياسية)، كذلك لدور المحرّك الداعم لتجمّع سكان الأحياء المتضررة من تفجير 4 آب (“المفكرة القانونية” و”استديو أشغال عامة” كجمعيات) وتقييم تأثيرها على عمل المجموعة، نشاطها واستمراريتها.

توثيق تجربة: “حملة تحت السقف” في مشروع القبة السكني في طرابلس 

بعد حوالي سنة من بدء تنفيذ الخطة الأمنية لوقف النزاعات العنيفة بين جبل محسن والتبّانة في عام 2014، تأسّست جمعية “SHIFT” كمنظّمة غير حكومية من قبل متطوّعين في منطقة القبّة في طرابلس، حيث قرّرت مجموعة من الاقتصاديين وعلماء النفس والناشطين الشباب من مناطق مختلفة في طرابلس، الاستفادة من هذه الفرصة والانخراط مع السكان للعمل على تحويل هذا الصراع باتجاه المصالحة (Reconciliation). كان هدف الجمعية الأوّل خلق مساحة مشتركة، إيجابية وديناميكية على خطِّ تماسٍ سابق بين المنطقتين المتنازعتين35استبعدت الجمعية العمل في الشوارع المعروفة، كـ”شارع سوريا” الذي نال حصته من النشاطات وعملت فيه الجمعيات المختلفة أكثر من غيره من الشوارع، وتمّ اختيار منطقة تسمّى “محور الأمريكان البقّار”، وهي منطقة عسكريّة، فيها نادي الضبّاط، وكل ما يتعلّق بالجيش والطبابة. كانت هذه المنطقة بين عامي 2014-2015 شبيهة لأرض مهجورة، شبه ميتة، أُقفلت فيها المحال التجارية، ومصانع الخياطة وغيرها من الحرف والمحال والصناعات الصغيرة.، بهدف إحداث تأثير اجتماعي واقتصادي مستدام36شاركت جمعية”SHIFT” في مشاريع تقدم الدعم للأسر ذات الدخل المنخفض في مشروع القبة السكني وأحياء أخرى في التبانة وجبل محسن والقبة. كذلك، تركز عمل الجمعية على القيام بدورات تدريبية لتنمية مهارات الشباب الشخصية والمهنية، بهدف زيادة فرص شباب طرابلس في سوق العمل وبالتالي تحسين ظروفهم المعيشية، وعلى اعتبار أن دعم هؤلاء الشباب في الحصول على دخل شهري، يمكن أن يحول دون انضمامهم إلى الجماعات المسلحة. إلى جانب هذا الدعم، تشارك جمعية”SHIFT” في الأنشطة الثقافية وخدمة المجتمع، لدعم عملية بناء السلام في المنطقة وتخفيف حدة النزاعات. وليكون مركز الجمعية وسيط بين المجتمعات، وساحة مشتركة تجمع الناس معاً، وتسمح لهم بالتفاعل من خلال الأنشطة والخدمات المختلفة، وبالتالي تساهم في دفع جهود المصالحة إلى الأمام.

قررت الجمعية العمل على “خارطة طريق نحو المصالحة في طرابلس” (roadmap to reconciliation)، وبدأت بالبحث حول الأسباب الأساسية لتكرار النزاعات في طرابلس وإطالة أمدها، وحول تأثيراتها على حياة السكان، من خلال جلسات بحثية “Focus group discussions” تجمع المقاتلين السابقين والسكان على المحاور القتالية والمتضررين.

في إحدى هذه الجلسات، تَرِدُ الفكرة التالية على لسان إحدى المشاركات: “نحن منفضّل ترجع المعارك ولا ننكب برّات بيوتنا”37يذكر هنا أنّ موضوع تفضيل المعارك على سلم، ذُكر في سياقاتٍ عدّة خلال الجلسات، ورُبطَ أيضاً بتوّفر الموارد المالية خلال المعارك أكثر منها خلال مرحلة السلم، ما يفسّر مكانة إقتصاد الحرب “Economy of war” عند الناس والموارد المالية التي كانت توّفرها. فإذا كان البعض يرى فائدةً في المعارك، كيف يمكن إقناعهم بالعكس، خصوصاً بعد الأزمة الاقتصادية التي جعلت الوضع المأساوي أصلاً، أكثر بلاءً بكل المقاييس والمعايير.. فخلال المعارك التي كانت تدور بين جبل محسن والتبانة، لجأت 150 إلى 200 عائلة فقدت منازلها، إلى مساكن شاغرة (حوالي 220 شقة) في مشروع القبة السكني وسكنتها بطريقة غير رسمية38كان العدد الأولي فوق الـ 200 شقة، أخلى البعض في مرحلةٍ لاحقة، فبقي في المحصلة حوالي الـ 150 شقة مسكونة بطريق غير رسمية.، البعض منها كان الجيش اللبناني قد استقدمها إلى المشروع للاحتماء. كانت العائلات تنتمي إلى طرفي النزاع، ما جعل المشروع مقسماً إلى جزئين، وأصبح المشروع بحد ذاته خطّ تماس، على الرغم من اختلاطٍ خجول في بعض المواقع. بعد انتهاء المعارك، عادت الدولة اللبنانية إلى تحريك ملف المشروع بهدف إخراج “المحتلّين” من المنازل لبيعها، على اعتبار أنّ الدولة اللبنانية كانت تغض النظر عنهم وتتناساهم في خضّم المعارك، نظراً للوضع الاستثنائي في هذه المنطقة.

فما هو مشروع القبة السكني وما دور الجمعية فيه؟

يسمّى مشروع القبة السكني أو ” مشروع الحريري”، وهو وليد أولى القرارات المتّخذة لحكومة الحريري الأب عام 1992، بهدف إعادة إعمار منطقة مدمرة جزئياً (77٪ منها مدمّر) خلال الحرب. أُطلق المشروع عام 1999 بقيادة الصندوق المركزي للمهجرين، وكان الاستثمار الحكومي الوحيد في مرحلة ما بعد الحرب الأهلية في قطاع السكن -، لإعادة الإعمار وبناء بدائل عن المساكن المفقودة في منطقة القبة. استُملك 192 عقاراً لهذه الغاية، وجُرفت المنطقة كلياً وبُني فيها 65 مبنى (778 شقة) ومبانٍ مخصّصة للخدمات العامة. كان سكان هذه المنطقة هم المستهدفون بشكلٍ أساسي من هذا المشروع، وتمّ تسميتهم بـ”أصحاب الحقوق” أي أصحاب الأراضي التي استملكتها الدولة اللبنانية لبناء المشروع. أُعطيت الناس التي تملك حقوقاً شققاً، وكان لهم أفضلية شراء شقق إضافية لأولادهم مع تسهيلات في الدفع. تكوّن المشروع من عدد شقق يفوق عدد أصحاب الحقوق، على أن تكون الشقق الإضافية معدّة للشراء عبر قروض ميسرة وبسعر مدعوم، كطريقة لتمويل بناء المشروع. انتهى بناء المشروع عام 2005، وتم تسويقه على أنه تدخّلٌ لإعادة توطين سكان المنطقة المهجّرين من ذوي الدخل المنخفض وتأمين مساكن جديدة لطبقة اجتماعية مفقّرة. لم يُفتتح المشروع حتى عام 2008 بسبب اغتيال رفيق الحريري، وبسبب ظهور مشاكل مرتبطة بطريقة إدارته، فهو تابع مباشرةً للصندوق المركزي للمهجرين، وبالتالي تؤخَذ كافة القرارات المرتبطة به، مباشرةً في رئاسة الحكومة. 

بعد عام 2014، ومع وقف النزاعات بين جبل محسن والتبّانة، كانت الدولة في طور عملية بيع الشقق المتبقية، حتى المسكونة منها من قِبَل المهجّرين. خلق ذلك علاقة ابتزاز غير صحيّة بين الناس والدولة، وضعت الساكن والمالك الجديد وجهاً لوجه، ما هدّد المهجرين بالإخلاء والتهجير من جديد. عند انتقال الملكية من الدولة إلى الشاري، يتكفّل هذا الأخير بإخلاء من تمّ تسميته “المحتّل”، بهذه الطريقة تُزيح الدولة عنها مسؤولية إخلاء المُهجرين قسراً. كما أدّى وضع اليد على بعض الوحدات بشكل غير رسمي إلى إحداث توتّرات بين السكان، وساهم التعقيد في نظام الحيازة3948% مالكين، 37% مستأجرين و14% محتلين. يالحدّ من التعاون المحتمل بين المقيمين في إدارة المشروع. 

في ضوء ذلك، قامت جمعية “SHIFT” بالتعمّق بالبحث حول هذا المشروع وخلفية هذه القضية، قبل اتخاذ قرار متابعة هذا الملف. رأت الجمعية أنّها ليست “أم الصبي”، وأعضاءُ الجمعية ليسوا من سكان المنطقة ولا يعيشون معاناتها، وبالتالي، فما تستطيع أن تفعله لدعم هذه القضية هو خلق لجنة من واضعي اليد على المساكن الشاغرة. شُكلت اللجنة من حوالي 8 إلى 10 أشخاص، ممثلين عن ستين عائلة، وهم من الفعاليات أو المفاتيح حول هذه القضية، وتمّ التعرّف إليهم من قبل الجمعية أثناء عملها الميداني في المشروع. وأثناء تشكيل اللجنة، تمّ احترام التوازن بين السنة والعلويين (طرفي النزاع)، وتمثيل النساء. 

أطلقت هذه اللجنة “حملة تحت السقف”، بمعنى أنّها تُعنى بما يمكن فعله تحت سقف القانون، لإبقاء الناس تحت أسقف بيوتها في الوقت عينه، وأصبحت مثالاً عن التضامن بين هذه العائلات لتأمين حقها في السكن وتجنّب الإخلاء، بدعم من الجمعية ومحامٍ متطوع تولّى القضية. لم يقتصر دور الجمعية على تشكيل اللجنة فقط، بل كانت تؤمّن الدعم للجنة من خلال ورش عمل تتناول مواضيع مختلفة (ورش عمل قانونية، ورش عمل مع خبراء، تدريب إعلامي، ترتيب الأفكار وبلورة المطالب، بناء القدرات، وغيرها) ودعمها في لقاءاتها مع الجهات الفاعلة والمعنية بقضيتها ولعب دور الميّسر. تمكّنت اللجنة من الاجتماع مع مدير الصندوق المركزي للمهجرين، ونظّمت مؤتمراً صحفياً للإعلان عن نفسها في الحديقة العامة للمشروع، كما ومطالبها والتي كانت: البقاء تحت سقف المنازل التي تهجّروا إليها، وتحت سقف القانون في الوقت عينه؛ التوجه لصندوق المهجرين الذي قام برفع دعاوى على العائلات، وتأكيد الإستعداد للتفاوض معه بكل إيجابية من أجل شراء البيوت؛ التوجّه إلى كل من وزارة المهجرين ورئاسة الحكومة ومصرف لبنان من أجل تأمين قروض ميسّرة لشراء البيوت لأن العائلات من مهجري الحرب. وللتعبير عن مشاركتها، علقت العائلات أيضاً أعلاماً على شرفات منازلها تحمل شعار الحملة. غطّت العديد من وسائل الإعلام الحملة ونشاطاتها على مدار عامين بين 2017 و2019، ودفع الضغط الذي مارسته هذه الحملة في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، الصندوق المركزي للمهجرين إلى إعادة النظر في الدعاوى القضائية، فتم إسقاطها في أوائل عام 2019. طالب واضعو اليد بإضفاء الشرعية على حيازتهم وتسويتها من خلال شراء الشقق التي سكنوها بنفس الأقساط الميسّرة التي عُرضت على “أصحاب الحقوق”، فما أنّ هذه المنازل ما زالت ملك الدولة وهي معَدّة للشراء، سكّانها هم الأولى بها. وعلى الرغم من الصعوبات الاجتماعية والاقتصادية التي يواجهها سكان المشروع، فقد أظهر استعدادهم لتنظيم حيازتهم، نيّتهم البقاء ضمن سلطة القانون وتجنّب اعتبارهم منتهكين للحقوق. في حين أن هذه الحملة لم تحقّق مطلب السكان بشراء الشقق، إلا أنها منحتهم الوقت للبقاء في هذا المشروع وحالت دون إخلائهم.

بعد أن توقّفت عملية بيع الشقق، وبعد أن لمس أعضاء اللجنة أنّ تصريحات الجهات الرسمية حول إمكانية شرعنة سكنهم هي مجرد وعود، لكن في الوقت عينه لن يتمّ إخلائهم من منازلهم، ومع بدء الأزمة الاقتصادية التي جعلت من الصعب على هذه العائلات تحمّل كلفة تملك المنازل، تراجع عدد أعضاء اللجنة إلى حوالي 4 إلى 5 أشخاص وتراجع مع ذلك نشاطها، حيث كانت قد حقّقت هدفها بشكلٍ جزئي.

بعد “حملة تحت السقف”، ونظراً إلى أنّ إدارة المشروع قد أُهملت مع وفاة المهندس المسؤول، كان المشروع وبعد أكثر من عقد على اكتمال بنائه، متداعياً ومعطلاً، بواجهات مدمرة، وطلاء باهت، ونوافذ محطمة، ومصاعد معطّلة، دون إنارة، وببنية تحتية متدهورة، ومساحات عامة لا تُستخدم بسبب تراكم النفايات، نتيجة إهمال الصندوق المركزي للمهجرين والبلدية، وترك مسؤولية الصيانة على السكان الذين يعانون أصلاً من ظروف اجتماعية واقتصادية قاسية. لذا عادت الجمعية ودفعت نحو تأسيس لجنة من السكان منبثقة من الحاجة الماسة لتحسين الظروف المبنية والسكنية وبهدف إدارة المشروع. وقد تضاعفت الحاجة إلى تشكيل هذه اللجنة بسبب ظهور توتّر إضافي بين “أصحاب الحقوق” و”واضعي اليد”، نتيجة التركيز على قضية “واضعي اليد” وقلة تسليط الضوء على الحالة المتردّية للمشروع، خاصةً وأن عدد العائلات من “أصحاب الحقوق” يفوق عدد “واضعي اليد” بأضعاف وأنّ الهدف الأساسي من إنشاء جمعية “SHIFT” هو بناء السلام (Peace Building) وليس خلق صراعات إضافية.

نظّمت جمعية “SHIFT” سلسلة من ورش العمل (إلى جانب مسح ميداني مكثّف) شاركت فيها مجموعة من سكّان المشروع لتحديد الأولويات الرئيسية بالنسبة إليهم، فيما يخصّ أعمال الصيانة والترميم. أسفرت ورش العمل هذه عن إنشاء “لجنة قلب المشروع” التي ضمّت ممثلين عن كافة المالكين والمستأجرين وواضعي اليد من سكّان المشروع، ومن سنة وعلويين وحتى من المقاتلين (بعضهم من ذوي الاحتياجات الخاصة والمتضرّرين جسدياً من المعارك) مع تمثيل للنساء. فيما خصّ الشباب، لم يكن هناك اهتمام شديد للمشاركة في اللجنة بالرغم من مشاركتهم في بعض الاجتماعات، خصوصاً أنّها تتطلب البعض من التفرغ في الوقت، فمن انضمّ إلى اللجنة واستمرّ فيها، كان من أصحاب المصالح (نجار، دكنجي، إلخ) مِمَّن لديهم بعض المرونة في وقتهم وعملهم. كان من المهمّ في هذه المرحلة أيضاً، العمل على تفكيك مفاهيم خاطئة ومصطلحات متجذّرة في أذهان المجموعات المختلفة، بحيث كانت السلطة قد أرست مفاهيم تمييزية بين الناس وفرّقت بين مجموعتين، إحداهما “أصحاب الحقوق” والأخرى من “المحتلين”، حارمة المجموعة الثانية من الحق بالسكن، لدرجة أنّ أفراد هذه المجموعة أنفسهم، اعتبروا أنفسهم من غير ذي حق.  بالتالي عملت الجمعية على فتح نقاش معهم حول كونهم أيضاً أصحاب حقوق، على الرغم من صعوبة تغيير هذه المفاهيم، ممّا يجعل هذا التغيير هدفاً طويل المدى. ما استطاعوا تحقيقه في هذا الإطار هو خلق نوع من التقبل بين “أصحاب الحقوق” و”واضعي اليد” وجعل قضية إدارة المشروع قضية مشتركة في سياق غير جامد ومتغيّر في الكثير من الأحيان. أصبحت اللجنة تدير المشروع وتهتم بصيانته وتحسين البنى التحتية فيه، وبدأ أعضاؤها بالعمل معاً على أساس أنّ هذه المساكن هي مساكنهم جميعاً. 

أخذت هذه اللجنة على عاتقها مسؤولية تجديد شبكة الصرف الصحي في المباني، واستعانت بشباب محليين من السنة والعلويين، للقيام بأعمال الترميم التي يشرف عليها رئيس عمال متمرس، وساهمت “Shift” بتأمين تمويل للمشروع من منظمات دولية. خلقت هذه المبادرة بيئة مواتية للمزيد من التعاون بين السكان من أجل إدراة المشروع وصيانته  وتأمين استدامته. وكانت فرصة للجمع بين أقطابٍ مختلفة حول مشكلة مشتركة بغضّ النظر عن نوع حيازتهم، لاختبار إمكانية التنسيق والتعاون بين المالكين وواضعي اليد. بالإضافة إلى صيانة شبكة الصرف الصحي المتهالكة، والاستفادة من الأموال في خلق وظائف ولو مؤقتة للشباب العاطلين عن العمل في المشروع، ساهمت هذه المبادرة بإرساء أرضية لتعزيز المزيد من التعاون والتنسيق بين المجموعات المختلفة، لتؤدي في النهاية إلى نهج مستدام لإدارة المشروع بأكمله. في حين أن هذه التدخلات ليست مستدامة ولا كافية للتعامل مع تحدّيات المشروع، فإن السكان أظهروا مشاركةً والتزاماً بالبحث عن حلول.

“لجنة قلب المشروع” المحلية غير فاعلة حالياً. مع ذلك، من الممكن توسيع تمثيلها وإشراك المزيد من السكان ليتم تنظيمهم حول عملية إدارة ممتلكات المشروع وصيانته. تشكلّ هذه اللجنة اليوم وأعضاءها نموذجاً هيكلياً (skeleton model) يمكن أن يتدخلّ حين تدعو الحاجة وفي أي موضوع يراه الأعضاء مهماً وطارئاً. فعلى سبيل المثال وخلال الانتخابات النيابية الأخيرة (أيّار 2022)، قرّرت اللجنة أن تسلّط الضوء على ملف “مشروع القبة” وأن تحاول وضعه على أجندات المرشحين. لهذه الغاية طلبت الدعم من جمعية “SHIFT” التي لعبت دور صلة الوصل بين اللجنة والمرشحين وأمّنت لهم بعض الاجتماعات مع مرشحين من خارج السلطة التقليدية. على الرغم من أن الجهود المبذولة حتى اليوم متفرّقة، إلا أن العناصر اللازمة لتنظيم السكان متاحة، والأهم من ذلك هو اهتمام السكان للمشاركة في تحسين المشروع. فقد أظهر هؤلاء حسّاً تطوعياً وتفانٍ للعمل، ليكونوا ركيزة يمكن البناء عليها في أي وقت.

توثيق تجربة: “حرّاس المدينة” في طرابلس

“حملة مدنية شبابية تطوعية هدفها كف الأذى عن مدينة طرابلس”، هكذا تُعرّف مجموعة “حراس المدينة” عن نفسها على صفحتها على التواصل الاجتماعي. انطلقت فكرة “حراس المدينة” في شهر آب 2015، تزامناً مع أزمة النفايات التي عمّت جميع المناطق اللبنانية، وما نتج عنها من حراكٍ شعبي. في ذلك العام، بدأت شاحنات تحمل أطناناً من النفايات من خارج المدينة إليها ثمّ تُرمى النفايات خلسةً إمّا في المطمر أو في مكبّات عشوائية في الشمال. عندها، أطلقت مجموعة من شبان طرابلس مبادرة “حراس المدينة” لمنع تحويل مدينتهم مكبّاً عشوائيّاً للنفايات القادمة من مختلف المناطق. أتت المبادرة في ظل انعدام الرقابة، وهو ما نتج عنه إضرار بالتربة والمياه الجوفية مع انبعاث الروائح النتنة، وانتشار الأمراض”. تولّت المبادرة نشر مجموعات مراقبة صغيرة من الشبان المتطوّعين، يقومون بحراسة المدينة في نقاط ثابتة ومتحركة، ويقومون بتفتيش الشاحنات الداخلة إلى المدينة، ومتى تحقّق الفريق من كونها محملة النفايات، يتمّ التواصل مع النيابة العامة والأجهزة المعنية، ليصار بعدها إلى منع الشاحنة من دخول المدينة، وتفريغ حمولتها من النفايات فيها. في الليلة الأولى لإطلاق الحملة، بلغ عدد الملتحقين 22 متطوّعاً، ونجحوا، من خلال مبادرة عفوية، وعلى مدار أكثر من 50 يوماً أن “يحرسوا” المدينة. جرى توزيع المتطوعين إلى 4 مجموعات تتواصل فيما بينها عبر برنامج “الواتس اب”؛ بذلك مُنعت الكثير من الشاحنات من الدخول إلى طرابلس، وضُبطت أكثر من 25 شاحنة محملة بالنفايات. وقد ارتكزت الخطوة التالية لـ”حراس المدينة” على مسح المكبّات، والمطامر العشوائية في طرابلس، ومراقبة هذه الأماكن، وإزالة النفايات بالتعاون مع البلدية. وقد اعتبر القيمون على هذه المبادرة أنّها ليست شكلاً من أشكال الأمن الذاتي، بل هي مشاركة المجتمع في حماية المدينة الغارقة بالنفايات المهرّبة إليها. 

سرعان ما اتّسعت الحملة وراحت تتطوّر، حيث وصل عدد الحراس إلى أربعين شخصاً ثم إلى مائة وبعدها إلى مائة وستين قبل انطلاق الانتفاضة عام 2019، واتخذت المجموعة أبعاداً تنظيميةً جديدةً، من خلال التعاون مع نقابة المحامين في طرابلس وتفويضها اتخاذ صفة الادعاء الشخصي على من ينقل أي نفايات إلى المدينة، بالإضافة إلى التنسيق مع كافة الأجهزة الأمنية والمدعي العام، وهو من أعطى أوامره برفع دعوى مباشرة على أي سائق ينقل نفايات إلى طرابلس دون الرجوع إليه. وربّما يكون هذا التنسيق مع الأجهزة الأمنية وجعله الحل الأوحد لمشكلة الشاحنات، أحد أشكال ضعف هذه المجموعة. كما أنّه انعكس على عملها خلال الانتفاضة، بالأخص لجهة عدم ثقة الناس بهذه الأجهزة التي تعمل لتأبيد سلطة النظام وتنفيذ الرقابة السياسية التي هدّدت العديد من المشاركين في الانتفاضة، وسجنتهم.

سارع المبادرون والملتحقون في “حراس المدينة” والملتحقون بها إلى اتخاذ إجراءات تنظيمية لتحركهم. وبعد أن أطلق المبادرون الأوائل تسمية “حراس المدينة” على هذه الحملة، قام المنظّمون بتشكيل هيئة طوارئ ضمنها على أن تكون هيئة مدنية غير سياسية، وغير مدعومة من أي سياسي. وكان تجاوب الناس مع نداء “حراس المدينة” عبر وسائل التواصل الاجتماعي غير متوقع، حيث أظهر كثيرون استعدادهم لخوض تجربة حركات الرفض والاعتراض دون تردد. مع تزايد عدد المتطوعين، قرر القائمون على هذه المبادرة أن يقوموا بمبادرات وحملاتٍ أخرى، فعملت المجموعة على ما تسمّيه “حماية طرابلس من كل التعديات والتهديدات التي تواجهها” على كلّ الأصعدة، إن كانت بيئية أو حقوقية أو إنمائية. فعملت الحملة مثلاً على ما رأته عرقلةً لسير العمل في مرفأ طرابلس، كالتصدي لقرار تفتيش كل البضائع التي تصل إلى مرفأ طرابلس من قبل إدارة بيروت، ونفّذت مشاريع تزفيت شوارع المدينة بتمويل من أحد المغتربين الذي تبرّّع بكلفة المشروع عن روح أحد أصدقائه الشبان، إلى جانب مشاريع ونشاطات أخرى تُموّل من صندوق المجموعة الخاص الذي يعتمد بشكل أساسي على “الحرّاس” أنفسهم. ليس من الضروري أن تكون هذه المشاريع هي ما يفيد المدينة وأهلها. برأينا، لكنّها كانت كذلك من وجهة نظر الحملة. كما كل المنتسبين للمجموعة هم من المتطوعين ولا يتقاضون أجوراً مالية، وقد وصلتهم مساعدات عينية من بعض الأشخاص، كأجهزة إنارة ليلية، سترات، عشاء للمتطوعين، عصير أو ماء.

لم يتلقَ “حراس المدينة” أيّ تمويل، وإنّما غذّت المبادرة نفسها بنفسها. فقد رفضوا الحصول على تمويل من الأطراف السياسية، وجمعيات، بسبب رفضهم للتبعية لأي طرف. 

مع انطلاقة انتفاضة 17 تشرين 2019، التحق حراس المدينة بصفوف الانتفاضة\الثورة وأنشأوا مركزاً لهم في ساحة النور في طرابلس بهدف حراسة ساحة عبد الحميد كرامي. وقد برز دورهم التنظيمي جلياً على الأرض. ولفتوا أنظار الجميع بستراتهم الصفراء التي طُبع على ظهرها هاشتاغ “لبنان ينتفض” مع اسم طرابلس. كانت مهمتهم حماية المعتصمين وإدارة شؤون الساحة لوجستياً من خلال الانتشار في محيطها وقطع الطرقات المؤدية إليها لمنع حصول أية أعمال شغب أو مضايقات للمشاركين. ومجدداً بسرعة فائقة تضاعف عدد المتطوعين من عشرات المنتسبين إلى المئات، يتحركون بشكل منظّم ومنضبط ويساهمون بتقديم المساعدات التي تصل إليهم من متبرعين من المدينة وخارجها، وكانت بأغلبها مساعدات عينية. وانتدب حراس المدينة نفسهم من أجل حماية حراك طرابلس، من خلال توزيع الماء والطعام على الناس، وتسهيل تحرك المتضامنين، ومن خلال التنسيق الكامل مع القوى الأمنية. وهو ما جعل علاقة بعض المجموعات بهم متوترة.

تعتبر الحملة بأن أهمية عملها ظهرت من حيث استطاعت تشكيل شبكة أمان لكل المشاركين في المظاهرات والتجمعات والنشاطات في ساحة عبد الحميد كرامي خلال الانتفاضة، ومن خلال منعها لمصادرة رأي الأفراد والمجموعات، أو فرض رأي أي منها. كما ساهمت بتنظيم دخول الدراجات النارية إلى الساحة وتنظيم النشاطات المختلفة إفساحاً لمجال توافد المتظاهرين إليها. ترى الحملة أنّها بذلك ساهمت بخلق شعور بالأمان، وهو ما تعتبره أساسي في إنجاح العمل المطلبي وكسر حاجز الخوف ومشاركة الناس في الشارع.

وقد كانت ميزة حراس المدينة تَوَفّر هيكلية إدارية وتنسيقية لهذه المبادرة، بحيث تم تشكيل غرفة عمليات تنظيمية لحراس المدينة لتنظيم عمل المتطوعين. وتعتبر الحملة بأنه من غير الممكن اعتبارها تجمّعاً طارئاً على العمل الميداني، لأن نواة التحرّك التي كانت تعمل على الأرض هي مجموعة من الشباب التي تمرّست في العمل المطلبي سواء في الشارع أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وقد فتحت انتفاضة 17 تشرين الباب أمام جذب عدد أكبر من المتطوعين لتأمين الساحة. ففي اليوم الأوّل من الانتفاضة، ميدانياً، شارك حوالي 40 عضواً ممّن اعتادوا العمل الميداني، وحاولوا ضبط الأمور قدر المستطاع، ثمّ تمّ فتح باب التطوع، فتخطّت أعداد حراس المدينة الخمسمئة متطوع، يخضعون جميعاً لتوجيهات من غرفة العمليات التي تنظّم تحركات الجميع وتقوم بتوجيههم. كان من المقرر أن يُفتح باب التطوع لنساء طرابلس، قبل الانتفاضة لكن الحراك سرّع الأمور وجعل انضمامهن أمراً تلقائياً للمجموعة. على مدار 24 ساعة كان المتطوعون يحضرون  ويقسّمون أنفسهم على دورتي عمل. ومن أجل تفعيل العمل تم تقسيم المتطوعين تنظيمياً إلى مجموعات: عناصر إدارية ولوجستية للتدقيق في العمل وتدوينه، عناصر يتولون توزيع الماء والطعام، وآخرون مستعدون لتوزيع مظلات الأمطار، ومجموعات لحفظ الأمن والمراقبة.

وقد تحوّل الكراج الذي يتجمع فيه متطوعو حراس المدينة إلى مركز استقطاب، يزدحم فيه المتبرعون من أبناء المدينة. لم تقتصر المبادرة على الأفراد وإنما تجاوزتها إلى المؤسسات، ومن بينها المطاعم، ولم تقتصر التقديمات على الغذاء، بل تم وهب المظلّات والأغطية البلاستيكية وغيرها. ما إن تصل علب الطعام أو الوجبات، يتم استلامها وتسجيلها على الحواسيب، ومن ثم يُستدعى المتطوعون، حيث يقوم كل واحد منهم بحمل كيس ورفع الإشارة الكشفية تعبيراً عن أنه أصبح مستعداً للخروج إلى الناس. بعد ذلك، يتم تشكيل حلقات من السترات الصفراء، يتوسطها الموزعون لينتشروا في الزوايا. تُعطى الأولوية لمسعفي الصليب الأحمر اللبناني، والهيئة الطبية الإسلامية، وعناصر الأجهزة الأمنية، ومن ثم المتطوعين. ومن ثم ينتقلون إلى توزيع الماء أو الحلوى على المتظاهرين. لا يتدخلّ المتطوعون إلا تنظيمياً، ولا علاقة لهم بمضمون الخطابات أو الأغاني والموسيقى. إلّا أنه يتمّ التمني على المتظاهرين بعدم سب أي سياسي بكلام نابي، أو مدح أي سياسي لعدم استفزاز الناس ومضاعفة جهود التهدئة على عاتق الحراس. كما لديهم “خطة ب” لاستدراك أي مشكلة يمكن أن تقع مستقبلاً. 

يعتبر الحراس أنّ المصداقية التي راكموها عبر الوقت والنجاحات التي حققوها هي التي بنت الثقة بينهم وبين سكان طرابلس، وتشدّد هذه المجموعة على كونها مجموعة مستقّلة بالكامل ولا تتبع لأي زعيم أو أي تنظيم كان. لا بدّ نهايةً من طرح بعض التساؤلات حول “حراس المدينة”، فما هو الدور الذي يلعبه “حراس المدينة اليوم؟ كيف يتعاطون مع الإشكاليات الرئيسية التي تواجه مدينة طرابلس ومنها انهيار المباني وتدهور البيئة المبنيّة في الأحياء التاريخية لطرابلس؟ ما هي تبعات الوجه الأمني للتنظيم وتصوير الحرّاس كأنّهم منقذين؟ ما كانت نتيجة العلاقة الوطيدة بالقوى الأمنية؟ وهل تحوّل عملهم إلى عمل شبيه بعمل الجمعيات الخيرية؟

تتحمّل كلٌ من هذه المبادرات والحملات الكثير من النقد، بل إن عرض معلومات مفصّلة عنها يفتح المجال لنقدها على كل المستويات وبشكل أشمَل، وبالتالي التعلّم منها. لكن الفكرة أيضاً وراء هذا العرض المُسهَب، هي بتقريب مفهوم التنظيم المجتمعي من الواقع اللبناني، وفهم أدواته وميكانيزماته وتعقيداته والتحديات التي تواجهه. نعتقد بأن هذه التجارب كانت قادرة على توضيح نقاط عدّة ممّا ناقشناه آنفاً، بدايةً من قدرة التنظيم المجتمعي على مجابهة التحديات التي تعترضه، ومواكبة التغييرات الخارجية، وسبل خلق توافق بين بنيته وأدواره، كما الاستفادة من الفرصة السياسية للمرحلة والبناء عليها. من المؤكّد أن التنظيم المجتمعي قادر على المساهمة في إعادة تعريف علاقة السكان بالمساحات العامة، والمدينة\القرية\المنطقة، ممّا يُمكن أن يعيد ربط النسيج الاجتماعي للحي أو المنطقة، وهو ما نحتاجه اليوم بالذات، في ظل الهجمات المتتالية للشركات الكبرى والسلطة، بهدف تفكيك الأحياء وتهجير أهلها وتغيير وجه المدن والقرى وطبيعتها. كما أن التنظيم المحلي في العام، هو وجه من وجوه كسر هيمنة التمثيل السياسي، وفرض مشاركة الناس في قضايا أقصتهم السلطة عنها. 

بالتالي، وبعد عرضنا لأساسيات التنظيم المجتمعي وأمثلة محلية عنه، نأمل أن يكون هذا النص، فاتحة إلهام للمزيد من المبادرات على مستوى الأحياء والقرى، علّ ثقافة التنظيم المجتمعي تصبح أكثر انتشاراً، وأكثر فاعليةً، فتستطيع إسماع صوت الناس وإنتاج سياساتٍ أكثر عدلاً. 

المراجع

جلسات تشاورية

  • جلسة عملية في 9 نيسان 2022 الساعة 10 صباحاً، سياق، طرابلس، بحضور: ساره قبوط، فاطمة الدريعي، رياض الأيوبي، مراد العياش؛ 
  • جلسة مفاهمية في 8 نيسان 2022 الساعة ٣3 بعد الظهر، سياق، طرابلس، بحضور: ساره قبوط، فاطمة الدريعي، رياض الأيوبي، مراد العياش؛ 
  • جلسة نقاش حول لجان الأحياء في 26 تشرين الثاني 2021، سياق، طرابلس بحضور: فاطمة الدريعي، رياض الأيوبي، عبيدة تكريتي، مراد العياش، اليسار السيد.

مقابلات

  • الاستاذ بلال الأيّوبي، من مؤسسي جمعية “SHIFT” التي عملت عن قرب مع سكان مشروع القبة السكني. (2021). “حملة تحت السقف” في مشروع القبة السكني في طرابلس.

مراجع أخرى

  • 1
    جلسة عملية في 9 نيسان 2022، سياق، طرابلس، بحضور: ساره قبوط، فاطمة الدريعي، رياض الأيوبي، مراد العياش؛ -جلسة مفاهيمية في 8 نيسان 2022 ، سياق، طرابلس، بحضور: ساره قبوط، فاطمة الدريعي، رياض الأيوبي، مراد العياش؛ -جلسة نقاش حول لجان الأحياء في 26 تشرين الثاني 2021، سياق، طرابلس بحضور: فاطمة الدريعي، رياض الأيوبي، عبيدة تكريتي، مراد العياش، اليسار السيد.
  • 2
    مقابلة مع الاستاذ بلال الأيّوبي، من مؤسسي جمعية “SHIFT” التي عملت عن قرب مع سكان مشروع القبة السكني.
  • 3
    بول أشقر. (تشرين الأوّل، 2022). مقتطف من مراجعة أجراها على نسخة غير نهائية من النص.
  • 4
    أمثلة أخرى يمكن أن تقع ضمن النموذج نفسه، كالأضرار الصحية الناتجة عن التلوّث الناتج عن مداخن معمل الكهرباء الحراري في الذوق، الكسارات في الكورة أو مكبات النفايات العشوائية في بعض المناطق.
  • 5
    قانون المخاتير والمجالس الاختيارية، المختارون والمجالس الاختيارية، قانون صادر في 27/11/1947، تم الاسترداد من: Elections 2022 – قانون المخاتير والمجالس الاختيارية
  • 6
    بول أشقر. (تشرين الأوّل، 2022). مقتطف من مراجعة أجراها على نسخة غير نهائية من النص.
  • 7
    تعمل مؤسسة “أهل” على تمكين الساعين والساعيات للتغيير في تنظيم قوتهم وقيادتهم لتحقيق العدالة في قضاياهم. وذلك من خلال مرافقتهم في مشوارهم الميدانيّ وعملهم الجماعيّ، ومن خلال تعريفهم وتدريبهم على نهج التنظيم المجتمعي ومُمارسات القيادة التشاركية، ليس فقط ليحققوا التغيير الذي يبتغونه، بل ليبنوا قوة ناسهم أيضاً.
  • 8
    مارشال غانز، محاضر في السياسات العامة كلية جون ف.كينيدي للحكم جامعة هارفرد.
  • 9
    يصف عالم النفس كلايتون الديفر ديناميكية الحوافز التي تتحرك داخلنا على أنها مدفوعة باحتياجات وجودية، علائقية، وتنموية واجتماعية وتطويرية. قد تتسبب أية تهديدات لهذه الأهداف أو فرص مفاجئة لتحقيقها في خلق الإحساس بضرورة الاهتمام بعملية التنظيم.
  • 10
    يجدر الإشارة هنا إلى أنّه كان من الصعب على المشاركات\ين في ورش العمل الإجابة على الأسئلة بشكلٍ مباشر، وعلى هذا السؤال بشكلٍ خاص، فاعتمدوا على الأمثلة الحسية من خلال تجارب خاضوها أو عرفوا عنها لمحاولة تحديد مفهوم التنظيم المجتمعي، وذلك كونه نظري، كما أنّ المفاهيم المختلفة المطروحة لم تكن قريبة بشكلٍ كبير من تجاربهم اليومية ومن الواقع المعاش.
  • 11
    بول أشقر. (تشرين الأوّل، 2022). مقتطف من مراجعة أجراها على نسخة غير نهائية من النص.
  • 12
    المرجع السابق.
  • 13
    نذكر هنا، “الحملة الأهلية للحفاظ على دالية الروشة” التي تزامنت مع الاحتجاجات اللبنانية بين عامي 2015 و2016 التي عُرفت باسم “طلعت ريحتكن”، والتي استطاعت تحقيق النتائج في ظلّ الفرص السياسية المتوّفرة.
  • 14
    وهو ما نظرّت له على مستوى الديموقراطية المحلية حملة “بلدي بلدتي بلديتي” عامي 98-1997. كما أنّ تجربة مثل “بيروت مدينتي” تشاركت المقاربة ذاتها، وهو ما نقدم توثيقاً نقدياً له في المقالات المقبلة.
  • 15
    يمكن هنا التطرق إلى عدّة أمثلة حول الحركات العمّالية، أبرزها تحركات معمل غندور. سكن عمّال معمل غندور، الذي كان يتمركز سابقاً في منطقة الشياح، ضمن تجمّعات كبيرة في منطقة الأوزاعي، في الشياح، شارع المصبغة، وفي الحيّ السلّم. قام عمّال غندور بتحركات متتالية منذ عام 1967، حتّى التحرّك الكبير عام 1972، حيث عملوا على تأسيس منظّمة عمّالية سرية لتنظيم اللجان العمّالية وقد كانت هذه المنظمة تجتمع في الأحياء. كذلك وعلى إثر رفع سعر الخبز 5 قروش، قام العمّال بمصادرة الأفران في الأحياء. وقد خاض العمّال أيضاً معارك لتخفيض الإيجارات في السبعينيات وطالبوا بتأجير الشقق الشاغرة أو مصادرتها.
  • 16
    من مداخلة أحمد الديراني، مدير المرصد اللبناني لحقوق العمّال والموظفين، في نقاش حول المساحة الحضرية للعمّال والعاملات في المدينة، أحيائهم مساكنهم، مناطق عملهم، وخطوط تنقّلهم بين المدينة والقرى، ضمن سلسلة ندوات عامة “حوار – مدينة – ناس” من تنظيم استديو أشغال عامة والمعهد الفرنسي للشرق الأدنى، في 20 تشرين الأوّل 2022.
  • 17
    (Community Tool Box (ku.edu
  • 18
    بول أشقر. (تشرين الأوّل، 2022). مقتطف من مراجعة أجراها على نسخة غير نهائية من النص.
  • 19
    المرجع السابق.
  • 20
    بالرغم من أننا وضعنا “جمعية” و”مجموعة سياسية” في خانة الإطار الخارجي، لكن يجدر التفريق بين جمعية تموّل مشروعاً ما حتى لو نتج عنه (أو كان بطبيعته) تنظيم محلي، وعمل حزبي سياسي يكون تنظيم الحي توسيعاً أو تطويراً لنواة له في الحي.
  • 21
    (Community Tool Box (ku.edu
  • 22
    بدأت الاحتجاجات الشعبية في 22 آب 2015.
  • 23
    أبرزها أزمة الكهرباء والبطالة وغلاء أسعار العقارات وازدياد الدين العام الحكومي وغيره.
  • 24
    خلال الانتخابات البلدية في بيروت لعام 2016، فازت بيروت مدينتي بإحدى دوائر بيروت الانتخابية الثلاث، لكنها خسرت في جميع الانتخابات بنسبة 40% مقابل قائمة “البيروتيين” المدعومة من سعد الدين الحريري.
  • 25
    قامت “بيروت مدينتي” ببناء حملتها حول برنامج من ١٠ نقاط يتمحور حول التنقل، المساحات الخضراء والأماكن العامة، السكن الميسور، إدارة النفايات، التراث الطبيعي، المجتمع المساحات والخدمات، التنمية الاجتماعية والاقتصادية، الاستدامة البيئية، الصحة والسلامة، الإدارة البلدية. ترتكز “بيروت مدينتي” على قيمها الجوهرية باعتبارها أولوية الصالح العام والعدالة الاجتماعية والشفافية ورعاية مدينتهم للأجيال القادمة.
  • 26
    عريضة موّجهة إلى وزارة السياحة وعريضة إلى المجلس البلدي ومحافظ بیروت.
  • 27
    بخاصّة فيما يتعلّق بضمان سكنهم، وإنتاج السياسات العامّة لإعادة الإعمار، والعلاقة مع الجهات المانحة والجمعيات.
  • 28
    لجرحى، ومن ضمنهم من أصيبوا بإعاقة جسدية مؤقتة أو دائمة.
  • 29
    يمكن أن تشمل هذه الفئة سكّان المناطق المتضرّرة، ومنها الرّميل (التي تشمل الجمّيزة)، المدوّر (التي تشمل مار مخايل(، الكرنتينا (الخضر والسيدة)، الصيفي، المرفأ، الباشورة، الأشرفية، زقاق البلاط، برج حمود. كما وتشمل أعضاء من المؤسّسات التجارية والصناعية والثقافية التي تقع أماكن عملها ضمن المناطق المتضرّرة (التجّار، المطاعم، القطاعات الإبداعية، الحرفيون، المؤسّسات الإعلامية)، كذلك العمّال الأجانب والفئات المهمّشة الذين تضرّروا جرّاء التفجير مثل عاملات المنازل والعمّال الأجانب ذوي الدخل المحدود، وغيرهم من الفئات الاجتماعية المهمّشة.
  • 30
    يسعى التجمع بشكلٍ عام إلى تحقيق العدالة الكاملة للمناطق المتضررة ولأي شخصٍ من سكّان و/أو أصحاب الأعمال التجارية و/أو أصحاب الحرف و/أو المهن الحرة و/أو الفنانين المقيمين أو العاملين فيها، ويسعى لأن يكون قوة ضاغطة أمام الهيئات العامة والرسمية والمؤسسات الدولية وغير الرسمية، وإلى توفير مساحة مشتركة للسكان للعمل والمناصرة، وتعزيز العمل الجماعي الموّحد للوصول إلى العدالة وضمان الحقوق. بالتفاصيل، تتلّخص الأهداف الرئيسية للتجمّع بـ: إحقاق حق السكان في التعويض الكامل والعادل؛ الوصول إلى المعلومات فيما يتعلق بالتحقيقات وسياسات إعادة الإعمار؛ المحافظة على حقوق، السكان المنصوص عليها بالقانون الدولي والقانون اللبناني؛ ضمان التمثيل المشترك للسكان الأعضاء في جميع محافل صنع القرار؛خدمة السكان والتعاون مع شركاء ومؤسسات لتقديم كافة أنواع الدعم؛ معالجة المظالم الناتجة عن تفجير المرفأ بشكل جماعي وتكوين مواقف مشتركة؛ العمل نحو تحقيق تعافي حقيقي للأحياء المتضررة وحماية سكانها من التهجير.
  • 31
    مبادئ التجمّع: نبذ الطائفية والمناطقية، عدم التمييز، الامتناع عن إلحاق الضرر، احترام مبادئ حقوق الإنسان، الشفافية واحترام الخصوصية، والتشاركية في اتخاذ القرارات.
  • 32
    الأحياء: الباشورة، الكرنتينا الخضر، الكرنتينا السيدة، الجميزة، شارع الخازنين، الروم، البدوي، مار مخايل؛ الفئات الاجتماعية: اللاجئين السوريين، العاملين/ات الأجانب.
  • 33
    على الصعيد الرسميّ، على صعيد نقابة المهندسين، على صعيد المنظمات والمبادرات الدوليّة والمحليّة، على صعيد المستثمرين الدوليين.
  • 34
    نقابة المهندسين في بيروت، المقرّر الخاص المعني بالفقر المدقع وحقوق الإنسان (UN special rapporteur)، تجمّع نقابة الصحافة البديلة، تجمّع أهالي الضحايا، خبراء دوليين معنيين بالحق السكن ومجموعات محلية أخرى يتمّ إنشائها داخل الأحياء.
  • 35
    استبعدت الجمعية العمل في الشوارع المعروفة، كـ”شارع سوريا” الذي نال حصته من النشاطات وعملت فيه الجمعيات المختلفة أكثر من غيره من الشوارع، وتمّ اختيار منطقة تسمّى “محور الأمريكان البقّار”، وهي منطقة عسكريّة، فيها نادي الضبّاط، وكل ما يتعلّق بالجيش والطبابة. كانت هذه المنطقة بين عامي 2014-2015 شبيهة لأرض مهجورة، شبه ميتة، أُقفلت فيها المحال التجارية، ومصانع الخياطة وغيرها من الحرف والمحال والصناعات الصغيرة.
  • 36
    شاركت جمعية”SHIFT” في مشاريع تقدم الدعم للأسر ذات الدخل المنخفض في مشروع القبة السكني وأحياء أخرى في التبانة وجبل محسن والقبة. كذلك، تركز عمل الجمعية على القيام بدورات تدريبية لتنمية مهارات الشباب الشخصية والمهنية، بهدف زيادة فرص شباب طرابلس في سوق العمل وبالتالي تحسين ظروفهم المعيشية، وعلى اعتبار أن دعم هؤلاء الشباب في الحصول على دخل شهري، يمكن أن يحول دون انضمامهم إلى الجماعات المسلحة. إلى جانب هذا الدعم، تشارك جمعية”SHIFT” في الأنشطة الثقافية وخدمة المجتمع، لدعم عملية بناء السلام في المنطقة وتخفيف حدة النزاعات. وليكون مركز الجمعية وسيط بين المجتمعات، وساحة مشتركة تجمع الناس معاً، وتسمح لهم بالتفاعل من خلال الأنشطة والخدمات المختلفة، وبالتالي تساهم في دفع جهود المصالحة إلى الأمام.
  • 37
    يذكر هنا أنّ موضوع تفضيل المعارك على سلم، ذُكر في سياقاتٍ عدّة خلال الجلسات، ورُبطَ أيضاً بتوّفر الموارد المالية خلال المعارك أكثر منها خلال مرحلة السلم، ما يفسّر مكانة إقتصاد الحرب “Economy of war” عند الناس والموارد المالية التي كانت توّفرها. فإذا كان البعض يرى فائدةً في المعارك، كيف يمكن إقناعهم بالعكس، خصوصاً بعد الأزمة الاقتصادية التي جعلت الوضع المأساوي أصلاً، أكثر بلاءً بكل المقاييس والمعايير.
  • 38
    كان العدد الأولي فوق الـ 200 شقة، أخلى البعض في مرحلةٍ لاحقة، فبقي في المحصلة حوالي الـ 150 شقة مسكونة بطريق غير رسمية.
  • 39
    48% مالكين، 37% مستأجرين و14% محتلين.
 

كريستينا أبو روفايل

باحثة

كريستينا، معماريّة وباحثة حضريّة، حاصلة على ماجستير في الهندسة المعمارية (2015) وفي التخطيط المديني (2017) من الجامعة اللبنانية، كلية العمارة والفنون الجميلة. تعمل حالياً على مشاريع بحثية متنوعة مرتبطة بالقضايا العمرانية، الأملاك العامة وغيرها من المواضيع المتعلّقة بالحقّ في المدينة.

 

عبير سقسوق

مديرة تنفيذية ومسؤولة الأبحاث

تخرجت عبير كمهندسة معمارية في العام 2005، ثم حصلت على ماجستير في التخطيط المديني. هي عضو مؤسس في استوديو أشغال عامة. يشمل تركيز بحثها العلاقة بين العمران والقانون، الملكية والمساحات المشتركة، والحق في المدينة للمجتمعات المهمشة. كما تعمل عبر شراكات متعدّدة على تطوير الطرق التي تحفّز دور الجماعات المحليّة في تخطيط مستقبل مساحاتهم ومُدنهم وصياغته. هي أيضاً عضو في المفكرة القانونية (منذ 2014) وعضو مؤسس في مجموعة الدكتافون (منذ 2009).

 

نادين بكداش

مديرة تنفيذية ومسؤولة قسم التواصل و التصميم

نادين مصمّمة بصريّة وباحثة مدينيّة، وعضو مؤسس في استديو أشغال عامة. تلجأ الى أساليب متعددة الإختصاصات لمقاربة عمليات إنتاج الفضاء المديني، مستخدمة أدوات تمثيلية وبحثية في آن، كالخرائط، المرئيات والفيديو. كجزء من بحثها المرتكز على الحقوق السكنية والتحوّلات المدينية، نشرت بحث «سيادة الإخلاء: مستأجري لبنان من مواطنين إلى عقبات»، وأخرجت أيضاً فيلم «رسم خريطة شارع بيهم». تدرّس التصميم والتواصل البصري في الجامعة اللبنانيّة.

 

ريان علاء الدين

باحثة

ريان مهندسة مدنية حاصلة على ماجستير أشغال عامة وتخطيط طرقات من الجامعة اللبنانية (2019)، وماجستير في الهندسة الجيوتقنية عبر برنامج مزدوج بين جامعة ليل في فرنسا والجامعة اللبنانية (2021).
باستخدام أدوات بحثية وميدانية متنوعة، تهتم بالتعرّف على ديناميكيات البيئة المدينية، وتفاعل هذهالبيئة مع الناس. كما يشمل عملها رصد تطوّر المتغيّرات والعوامل المدينية المختلفة ومراقبتها.

 

جنى نخال

مديرة تحرير مجلة أشغال عامة (متعاونة)

جنى هي باحثة ومخطِّطة حضرية. كتبت في العديد من الصحف والمجلات اللبنانية والإقليمية حول القضايا الحضرية والنسوية. كأداة لجعل القضايا الحضرية شاغلاً يومياً للناس، وتنظيم الجماعات المحلية حولها. تكتب جنى عن السكن، المساحات العامة، التراث والثقافة من منظور نسوي يُسائل علاقة الجماعات المهمّشة بالمكان والتأثير المتبادل بينهما. كما تهتمّ بمفاهيم النسوية المادية البيئية، العمل الرعائي والإيكولوجيا الزراعية. هي أيضاً عضو في مجلس تحرير مجلة “واتش” Watch التابعة لمؤسسة FIAN للحق في الوصول إلى الأرض والغذاء. جنى أيضاً طالبة دكتوراه في جامعة ليوبليانا، وتحلم أن تصبح ساحرة يوماً ما

 

تالا علاء الدين

باحثة و منسقة قسم الأبحاث

تالا، معماريّة وباحثة حَضرية. يركّز عملها على قضايا السكن والأرض في لبنان، ويشمل دراسة التصاميم التوجيهية الصادرة عن المناطق اللبنانية وتحليلها وانعكاساتها على حياة الناس اليومية، ورصد ممارسات المؤسسات المعنية بالتخطيط، والمناصرة لتفعيل الأدوات والمناهج التشاركية في التخطيط وإعادة الإعمار. حازت على شهادات التميّز الأكاديمي والمنح الدراسية من مؤسسة الحريري للتنمية البشرية المستدامة والجامعة اللبنانية الأميركية، وحصلت على ماجستير في الهندسة المعمارية من الجامعة اللبنانية، كلية العمارة والفنون الجميلة، الفرع الثاني (2017).