إذا نظرنا إلى المشهد المؤسساتيّ، ماضياً وحاضراً، نجد إخفاقاً كاملاً في التعاطي مع العمران والتنمية والبيئة والسكن. لا بل نجد أنّ توالي نشوء المؤسسات وثم إلغائها منذ الخمسينيات حتى اليوم، ساهم في النظرة السائدة إلى السياسات العامة المتعلّقة بالعمران كسياسات خالية من الشقّ الإجتماعيّ، تختزلها آلية إنتاج السلطة السياسيّة للتشريعات. وقد لعبت المؤسسات الحالية دوراً في تجسيد الاستغلال الذي يدير عمليات التطوير العمرانيّ، بحيث صار التنظيم المدني أداةً لتثبيت هيمنة قلةٍ من كبار المستثمرين على السكّان، وتحكُّمهم بعلاقة الناس مع بيئاتهم الطبيعية والاجتماعية والثقافية.
فقد أُنشئت «وزارة التصميم» في عام 1954 بهدف إرساء «الخطة الشاملة للإنماء». إلّا أنه تمّ إلغاء هذه الوزارة في عام 1977 وأُنشئ «مجلس الإنماء والإعمار» مكانها، لتكون مهمّته الأساسية وضع الخطة الشاملة للإنماء. لم توضع هذه الخطة إلا بعد مرور أكثر من نصف قرنٍ من الزمن (في عام 2009)، وتمّ اختزالها بفصل واحد متعلّق بكيفية استخدام الأراضي وسميت بـ «الخطّة الشاملة لترتيب الأراضي اللبنانيّة». في هذه الأثناء، نشأت مجالس أخرى ومؤسسات متفرقة تتعاطى أيضاً بالشأن العمراني. في المقابل، صدر في عام 2000 قانونٌ يرمي إلى إلغاء وزارتَي «الإسكان والتعاونيات» و«الشؤون البلديّة والقرويّة»، لينهي أيّ حديثٍ رسميّ حول الحقّ في السكن والإنماء المتوازن.
اليوم، لم يتبقَّ لنا من مؤسسات الدولة المعنية بالشؤون المدينيّة إلا «المديريّة العامّة للتنظيم المدني»، إدارة واحدة تابعة لوزارة الأشغال العامة والنقل. وضمن هيكلية المديريّة، يحضر «المجلس الأعلى للتنظيم المدني» الذي تحوّل إلى حيّزٍ أساسيٍّ يخترقه الفساد والرشوة على صعيد الوطن بأكمله، بينما يقدّم مقاربةً تقنية بحتة للواقع العمراني.
ما هو المشهد المؤسساتي اليوم في مجال الأرض والعمران والسكن؟ يسلّط هذا القسم الضوء على المؤسسات الحالية كما يستعرض تلك الملغاة منها، في بحث نقدي عن الأطر والسبل والأدوات التي أدّت إلى التفريط بحقوق الناس واستخدام القوانين للمصالح الشخصية لمكوّنات السلطة.