ما برحنا نتابع ما يجري في غزة منذ 7 تشرين الأول، محاوِلات\ين متابعة مواقع الضربات، حركة النزوح، وفهم الخريطة ورسمها في ذهوننا، علّنا يوماً نستطيع المشاركة في إستعادتها.
فبالإضافة إلى الإبادة الجماعية والتجويع والتهجير القسري، تقوم إسرائيل اليوم بتدمير المعالم الثقافية والتاريخية والعمرانية والصحية والمؤسسات الاجتماعية في غزة، بهدف إزالة جزء من ذاكرة الأرض الفلسطينية ودفنها، مكانياً وتاريخياً، تحت الخارطة المتمدّدة دوماً للاستيطان الاستعماري.
تنجح إسرائيل اليوم بإبادة غزة وأهلها وتهجيرهم، لكنّ لحظاتٍ ومساحات صغيرة من المقاومة الشعبية اليومية، تنمو وتتكاثر، بدايةً من أماكن لعب الأطفال، حتى الطبخ الجماعي، ونشاطات الترفيه للصغار والكبار، إلى الرسائل شبه اليومية التي يبثّها أطفال ونساء وشبابٌ حول ما يجري، إلى استعادة الحياة في كل حيّ يخرج منه الإسرائيليون أو يتوقف القصف عليه، وحول طبخات غزاوية تقوم النساء والأطفال بتعليمها للناس عبر المنصات، علّهم يعرفون ما هي غزة. محاولات يومية للبقاء أحياء، ولاجترار الحياة ولو في قلب الصحراء، هي الشكل اليومي لمقاومة الناس العاديين، ولبث الحياة فيما تبقّى من المدينة ومخيماتها وقراها.
نرى في هذه الأمثلة قصصاً عن أهل غزّة التي لم نعرف. وهنا، نسعى إلى رسم صورة للمكان الذي يحتويهم، على الرغم من الإبادة الإسرائيلية له. فغزّة ما زالت الشكل المادي لتاريخ أهلها، ولم تقم الحرب الحالية إلّا بإضافة مرحلة جديدة من هذه الذاكرة.
نقوم في هذا النص، بجزئيه الأول والثاني، بالتفكير في ما يجري في غزّة اليوم من إبادة على كل المستويات، أبرزها الإبادة المكانية التي تسعى لإحلال الخارطة التي تثبت حقيقة السردية الصهيونية التي تحكي عن “أرضٍ بلا شعب، لشعبِ بلا أرض”.
المكان والحيّز: مفاتيح تشكيل الذاكرة والهوية الجماعية والفردية
يتم تطبيق الإبادة المكانية spacio-cide عبر تدمير غزة بالكامل كمدينة وقرى ومخيمات اللجوء، وكمركز حضري. وتتشابك الإبادتان الجماعية والمكانية في إطار التطهير العرقي المستهدِف للفلسطينيين من قبل الاستعمار الاستيطاني الصهيوني. وتُسخَّر مختلف ممارسات العنف كاستراتيجية أساسية لتحقيق محو الوجود الفلسطيني، بدايةً من تدمير الهوية والوجود الثقافي للمجتمع الفلسطيني، إلى استهداف المدنيين العزّل والمجمعات السكنية والمرافق الطبية لتدمير البنية التحتية والمؤسسات الحيوية وجميع جوانب الحياة البشرية، بهدف إزالة البنية الاجتماعية والمادية التي تربط الفلسطينيين بالمكان الذي يعيشون فيه.
يشير باتريك وولف1Settler colonialism and the elimination of the native (wolfe,1999),”ويرتبط التطهير الإثني بالاستعمار الاستيطاني، لأن هذا الأخير يتأسس وفقاً لمبدء الاستحواذ على الأرض عن طريق محو “الآخر الأصلي” منها” إلى أن الأرض ليست مجرد مساحة جغرافية، بل هي جوهر الحياة نفسها، أو على الأقل شرط أساسي لوجودها واستمراريتها. في هذا السياق، يتجاوز الصراع على الأرض مجرد التنافس على الموارد المادية؛ ليصبح صراعاً عميقاً متجذراً بالهوية والثقافة والانتماء للشعب الاصلاني. فالأرض تحمل في طياتها تاريخ الشعوب وذكرياتهم، وتشكّل ركيزة أساسية لبقاء المجتمعات واستقرارها وسبل عيشها. لذا، فإن النزاع على الأرض غالباً ما يكون معركة وجودية، تنتفي دونها لا حياة الأفراد فقط، بل مستقبل شعبهم وهويته.(وولف، 1999)
تكثر الصلات التي تربط المكان بالجماعة، وتخلق ذاكرة لهم متعلقة في المكان، فالمكان هو المأوى، المنفذ، ناسج الروتين والفرص، يحوي الممارسات اليومية، والأحلام، واستمرارية الموروث والعادات والتقاليد، وهو ناسج الذكريات. يحوّل الاستعمار الاستيطاني الصهيوني الحيز الفلسطيني، من قراه إلى مدنه وشواطئه وبيادره وكل مشاع يعيش فيه الفلسطينيون إلى مساحة أساسية للحرمان، إمّا من حيث سلبه واستعماره، أو من حيث تدميره.
تتوقّف قدرة المجتمعات على التحمّل والصمود، في الأساس، على جاهزية المدن والقرى وبناها التحتية لتلبية الاحتياجات الأساسية وعلى الأمان الذي قد تؤمّنه هذه المناطق، في حالات الحرب والهجمات العسكرية. لهذا تهدف الهجمات العسكرية الإسرائيلية التي استُخدمت في قطاع غزة، إلى تخريب وتسطيح كافة معالم الحيز، كما تفكيك المساحات الآمنة ومحوها، ليصبح القطاع كلّه مساحةً مفتوحة للهجمات العسكرية، مدمّرةً بذلك مقوّمات الصمود الأساسية.
وباستخدامها القصف البساطي carpet bombing، أزالت إسرائيل كل أشكال المباني والمنشآت، بدايةً من المباني السكنية والمنشآت الدينية، والعمارات الثقافية والتعليمية، والمباني التراثية، إلى المرافق الخدماتية والصحية والتجارية والصناعية، والبنية التحتية.
أعدمت هذه الهجمات المكان كشاهد، وكوعاء للحكايات والذاكرة الجماعية، فلم يعد هنالك منزل يتجمّعون فيه لمشاهدة التلفاز، أو مقهى لمقابلة الأصدقاء، أو جامعة ومكتبة للتغذية المعرفية، أو تجمهر في الجامع والكنيسة بمناسبة الأعياد. في إبادة المكان تتمّ إبادة الممارسة اليومية لأهله وذكرياتهم.
على الرغم من محاولات محو السردية الفلسطينية في غزة، تم غرس الهوية بوجدانها الجماعي،وبتراثها، وأصلانيتها أعمق في الأرض، حتى في خيام النزوح، ورغم الصعوبات المستدامة في توفير الطعام والماء والمأوى، نرى سبلًا في حب الحياة واستمرارها، من محاولات رفع المعنويات للأطفال من خلال عروض دبكة وفعاليات، ومناقشات رسائل الماجستير بين الخيام، وخَبز كعك العيد فوق ركام البيوت وتوزيعه.
محاولات الاستعمار الاستيطاني الصهيوني بإخلاء الحيز الفلسطيني عبر شن العنف المكثف على المدنيات/ين وإجبارهن/م على النزوح ، والسعي لتسطيحه هو بغية محو الوجود الفلسطيني على المستوى المادي المكاني، وبتر الذاكرة الفلسطينية في المكان. كما يعمل الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي على إعادة إنتاج الفضاء المكاني عن طريق استبدال الشواهد المكانية الفلسطينية بتاريخ جديد يصب في خدمة أجندة الاستعمار الاستيطاني الإحلالي المنوط بإسرائيل، ممّا يسهّل بناء سردية أخرى وحكاية جديدة لأرض خالية ميتة، سكنتها العصابات الصهيونية واحيتها.
وهو ما يحاول الفلسطينيات\ون، كل يوم وبكل الأشكال الممكنة، تغييره. لذا، نقوم هنا بوصف الشواهد المكانية والمعالم والأحياء في غزة، كي نفهم أكثر ماذا يجري هناك.
الأحياء والمباني والمجمعات السكنية2تستند المعطيات والأرقام المذكورة إلى التحليلات المعروضة في البيانات والإحصائيات الصادرة عن الوكالة الأممية في مجلس الأمم، بتاريخ 18 أيار\مايو 2024.:
وفقاً لتحليل الأقمار الصناعية للصور في قطاع غزة قبل الإبادة الجماعية ومنذ بدايتها، وعلى مدار ثمانية أشهر، تم تسوية 51% من المباني السكنية بالأرض، أي أن أكثر من نصف المباني السكنية في غزة قد دمّرت بالكامل، وتعرّضت نسبة 25%-20% من المجمعات السكنية للتدمير والضرر. تقع هذه المباني في عدة أحياء سكنية، يُذكر منها حي الرمال الذي يقع بمواجهة الخط الساحلي، وينقسم إلى “الرمال الشمالي”، و”الرمال الجنوبي”، وقد أبلغ الإحتلال سكان الحي بضرورة إخلاء مساكنهم قبل أن يتم قصفه بشكل كثيف، وحي الفرقان الي يقع شمال قطاع غزة الذي تعرض لأكثر من 450 غارة جوية، وحي الشيخ رضوان، وحي الكرامة الذي يقع شمال غربي غزة وقد تعرّض لقصف جوي ومدفعي مكثّف، وحي النصري الواقع غرب قطاع غزة. شمل القصف الإسرائيلي الكثيف هذه الأحياء وغيرها من الأحياء التي تغيّرت معالمها السكنية ومُسحت أجزاء منها بالكامل.
ورصد المقرّر الأممي ما يتعدّى الـ144 ألف مبنى سكني تعرّض للتدمير الكلي و290 ألف وحدة سكنية تعرّضت للتدمير الجزئي بشكل كبير- تحديداً في شمال القطاع حيث تصل نسبة التدمير الى 80%. أما في المجمل، فإن 60%-73% من المجمّعات السكنية في غزة أصبحت غير صالحة للسكن.
من هذه المجمعات السكنية “برج الفرا” الذي يتوسط مدينة خان يونس، يتكوّن هذا البرج من 16 طبقة، ويعتبر أطول مبنى في المدينة، تم تسطيحه هو ومحيطه بعد الهجمات العسكرية للاستعمار الاستيطاني الصهيوني لغزة، حيث حوّلت هذه المنطقة لأرض خالية من الهياكل العمرانية المؤهلة للسكن.
أما في منطقة الزهرة، فقد تم إشعار سكّان الأبراج السكنية بالإخلاء الفوري، وبدأ استهداف أول ثلاثة أبراج سكنية، لينتهي الأمر بقصف 29 برجاً سكنياً كان يضمّ كل واحد منها 22 شقة سكنية (عدد وسطي)، فيما لم يُمنح السكان الوقت الكافي لأخذ أي من الضروريات (حتى الملابس)، ويقول لنا أحد سكّان الأبراج “بمجرد نزولنا من المنزل ومغادرتنا له، قُصف وسُوي بالأرض أمام أعيننا، قبل أن نتفرق ويذهب كلٌ منّا لأحد مخيمات إيواء النازحين في مخيمي البريج والنصيرات3مقتبس من لقاء مع معين أبو رزق نازح من منطقة الزهرة -غزة مع مراسلة بي بي نيوز عربي مروة جمال -(23 كانون الثاني\يناير 2024)“.
كان أحد شوارع حي الشجاعية، شمالي غزة، يحتضن 12 عمارة سكنية تتكون من أربعة إلى خمسة طوابق، تعرّضت كلها للقصف، وتمت تسويتها دون سابق إنذار، وذلك بعد عملية اجتياح برّي نفّذها الجيش الإسرائيلي في المنطقة. “في حي الشجاعية بأكمله لا يوجد سوى الدمار، يقول لنا أحد السكان، “لم يعد هناك منزلٌ صالح للسكن. لكل منا ذكريات تربطه بمنزله. هذا المنزل تعبت لسنوات طويلة كي أتمكن من بنائه كشقة سكنية فوق بيت العائلة كي أتزوج فيها وأنجب فيها أطفالاً يعيشون في أمان. الآن أنا وأولادي مشرّدون في الشوارع.”
وفي مربّع الشجاعية في الشمال، تم تسطيح 50 بالمائة من المباني السكنية وتحويلها إلى ركام ورماد، لتصبح مناطق غير صالحة للسكن. “التدمير والقصف أقل وطأة من الحرق”، يُكمل أحد السكان، “الحرق بشع ومؤلم كونك ستعودين إلى هيكل بيت لا يصلح للحياة، ترينه أمام عينيك ولن تكوني قادرةً لا على العيش فيه ولا تركه4مقتبس من صفحة فيسبوك الشخصية للصحفي يوسف فارس ابن غزة، وتم رصدها وتوثيقها من قبل ضياء عودة لمنصة الحرة -(15 كانون الثاني\يناير 2024).”
شملت الانتهاكات الجسيمة ضد المجمعات السكنية المدنية خيام النازحين أيضاً، حيث قامت قوات الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي بقصف مخيم للنازحين الفلسطينيين في رفح، ممّا تسبّب بإشتعال النيران في الخيام البلاستيكية واحتراق الناس أحياء بشكل مأساوي، وعُرفت الفاجعة ب”محرقة الخيام”.
المباني الثقافية والتربوية والتعليمية:
استقصدت الهجمات العسكرية التابعة للاستعمار الاستيطاني الصهيوني أن تدمّر المساحات الثقافية والمؤسسات التربوية، وهي التي احتضنت المشهد الثقافي والفني في غزّة، وشملت مراكز ثقافية مثل “منتدى الأمّة للتنمية“، و”مراكز المواهب الفلسطينيّة“، و”بسمة للثقافة والفنون“، و”نفحة“، و”مسرح المسحال” وهو منفس الثقافة والفنون الذي دعا جميع شابات وشبّان غزّة لإقامة أمسيات ثقافية وفنية، و”غاليري 28” في رفح، ومطبعات الكتب والمناشير، ومراكز أبحاث.
“ليست المرّة الأولى الّتي تستهدف إسرائيل الأماكن الثقافيّة في غزّة. هذه المرّة قصفت برجاً كاملاً يحوي العديد من المكتبات. الهدف واضح، سياسة تجهيل للناس، تريدهم أن يتلهّوا فقط بالاحتياجات اليوميّة الضروريّة، كالطعام والمسكن واللباس، وكلّ ما هو دون ذلك يجب إلغاؤه من حيّز غزّة. إسرائيل مارست وتمارس حصاراً على الناس هنا، أصعب من الحصار المادّيّ”. بحسب شهادة مؤسس غاليري 28، محمود الشاعر5تسجيل من مقابلة شخصية مع محمود الشاعر مؤسس جاليري 28 في رفح،من قبل مجلة فسحة في إحدى الندوات الرقمية عبر الزوم..
استناداً إلى الوكالة الأممية، دُمّر قرابة 395 مبنى تعليمياً، منها 200 مدرسة. كان يُفترض بأكثر من 600 ألف طالب\ة مدرسي\ة أن يلتحقوا بالعام الدراسي الحالي في غزة، منهم حوالي 60 ألفاً من طلبة المرحلة الثانوية، إضافة إلى 87 ألف طالب\ة جامعة وكلية تقريباً، كلهم حرموا من العام الدراسي هذه السنة عقب الإبادة والتدمير6رحمة حسين، معطيات وتحاليل ، ورقة سياسية “كيف دمرت إسرائيل قطاع التعليم في غزة؟”، منصة حبر، 24 مايو، 2024.
شمل التدمير “المدرسة الكاميلية“، أقدم مدرسة في غزة، وقد شُيّدت في الزمن الأيوبي سنة 1237 ميلادي. وكانت المدرسة منذ إنشائها قد استُخدمت لإيواء الفقراء والطلاب والتجار.
إلى جانب قصف مقار الجامعات الـ6 من أصل 7جامعات في غزة، والتي تعرضت إلى تدمير كلي، وهي الجامعة الاسلامية ثاني أكبر الجامعات في غزة، جامعة الأزهر دمرت بالكامل، جامعة القدس المفتوحة وهي جزء من سلسلة فروع موجودة في القدس وفي الضفة وأول فرع لها كان في غزة، جامعة غزة، جامعة فلسطين، وجامعة الإسراء التي تداولت سرديتها جميع مواقع التواصل الاجتماعي بعد إحلال الضرر فيها ووقوعها تحت سيطرة جيش الاستعمار الاستيطاني الصهيوني، وتمّ بث تفجيرها بشكل متعمد في تاريخ 17 كانون الثاني\ يناير 20247معطيات ورقة سياسية، منصة يوم السابع الاخبارية، استنادًا لتحاليل الوكالة الاممية، 1 يناير، 2024..
“تستيقظ سارة أحياناً على أصوات القصف في المكان الذي نزحوا إليه، وتفكّر أن عليهم النزوح إلى مكان آخر. ورغم أنها تحاول ما أمكن تجنب التفكير بمستقبلها التعليمي إلا أن بالها يظل مشغولًا بالتفكير إن كانت ستجد وثائق تثبت أنها أكملت ثلاثة أعوام دراسية، أم ستضطر لإعادة الدراسة كلها، خصوصاً أنها حتى الآن لم تسمع أخباراً عن الجامعة وما سيحل بطلبتها، كما أن المواقع الإلكترونية للجامعات في غزة متعطلة وهو ما يزيد مخاوفها8رحمة حسين، مقابلة شخصية، ورقة سياسية “كيف دمرت إسرائيل قطاع التعليم في غزة؟”، منصة حبر، 24 مايو، 2024..”
ناهيك عن تدمير المكتبات العامة مثل “مكتبة اقرأ“، والمكتبات الخاصة، وحتى المكتبات التجارية، بالإضافة إلى بلدية غزة التي احتوت الأرشيف المركزي في القطاع التي لم يسلم منها أي مقتنيات ثقافية من الكتب، والمخطوطات، والخرائط، والصحف القديمة، وغيرها.
المباني الدينية والأثرية والتاريخية:
جرف الأرض من آثارها المادية التاريخية يعني أيضاً استهداف المباني الدينية التي تنتمي لدين مغاير للدولة اليهودية. دمّرت إسرائيل في اعتدائها العنيف على المساجد والكنائس كشواهد مادية حية على سلسلة قرون من الحضارات وجزء من ذاكرة غزة، كنيسة القديس بورفيريوس وهي من أقدم الكنائس في العالم (شُيّدت عام 475 ميلادي)، والمسجد العمري المعروف بكونه تحفة معمارية شاهدة على تدفّق حضارات غابرة، بدأت بالوثنية وانتهت في الفتوحات الإسلامية، وعُرف بكونه ثالث أكبر مسجد في فلسطين وأعرقها.
المنشآت الدينية تمركزت كنواة في وسط غزة، يحيط بها السوق وتنسج جزءاً من ذكريات التجمّعات الحضرية في جميع المناسبات، وحملت في طياتها أرشيفاً دينياً وثقافياً يعكس التعددية والتنوّع في طيات تاريخ غزة، مثل “مقام الخضر” الذي يقع في وسط مدينة دير البلح، وتشير الدراسات إلى خريطة مقام الخضر الذي بُني فوق كنيسة صليبية، حيث تظهر عناقيد مصلّبة تذكّر بفن العمارة الصليبي. كما توجد في المكان نفسه بعض النقوش اليونانية والتيجان الكورنثية والأعمدة الرخامية. و “لكنيسة البيزنطية” التي يزيد عمرها على 1600 عام، حيث تعود إلى عام 444 ميلادي. وتُعدّ الكنيسة، التي تعرضت للدمار الكامل، من أهم المواقع الأثرية في قطاع غزة، ومن أبرز المعالم في بلاد الشام عامة، وتحوي فسيفساء أثرية و 16 نصاً تأسيسياً باللغة اليونانية القديمة، حيث تعدّ من أكبر النصوص التأسيسية داخل الكنائس، و مكتبة الظاهر بيبرس داخل حرم المسجد العمري التي استهدفت أيضاً ودمّرما يوجد داخلها من كتب تاريخية مأرشفة9معطيات صادرة من قبل بيان وزارة الثقافة الفلسطينية، وتم أرشفته من قبل منصة “الشرق الاوسط”..
حصيلة العدوان على المنشآت الدينية تعدّت ال 378 منشأة دينية إسلامية ومسيحية منذ اندلاع الحرب، بحسب تقارير صدرت في 18 آذار\أبريل عام 2024، من قبل وزارة التربية والثقافة الفلسطينية.
كما أصدرت الوزارة بياناً ينص على الخواء الثقافي التي يحاول الاستعمار الاستيطاني الإحلالي إنشاءه عبر هجماته المتكررة، ووضحت الانتهاكات عبر رصد تدمير 195 مبناً تاريخياً، كانت تستخدم كمراكز جماهيرية ـ ثقافية واجتماعية وحتى سياحية مثل “حمام السمرة” الذي يقع في حي الزيتون في قلب مدينة غزة التاريخية، ويُعدّ ثاني أقدم المعالم بعد المسجد العمري، وهو الوحيد المتبقي من الحمامات التاريخية في قطاع غزة. أنشئ الحمام في العهد العثماني على مساحة 500 متر مربع، ثم أعيد ترميمه وتجديده في العصر المملوكي في عهد الملك سنجر بن عبد الله المؤيدي. سُمي بهذا الإسم نسبة للسامريين الذين عملوا فيه لفترة من الزمن.
و”قصر الباشا” الذي يقع في حي الدرج في الجهة الشرقية من البلدة القديمة. ويعدّ هذا الحي من أغنى المباني التاريخية، ويسلّط الضوء على تاريخ غزة الغني على مر العصور، وقد تم تشييده في الفترة المملوكية.
شملت هذه الحصيلة 12 متحفاً مرموقاً في غزة، احتوى أحدهما على ملابس وتراث غزة، وتم تخريب ما يقارب 2100 ثوب قديم وقطع تطريز من المقتنيات الموجودة في المتاحف أو ضمن المجموعات الشخصية.
المباني الخدماتية، المدنية والصحية:
تستهدف إسرائيل القطاع الصحي في غزة بشكل واضح ومباشر، منذ بداية العدوان. وقد تم تدمير الجزء الأكبر منه خلال الهجمات العسكرية والغارات على سيارات الإسعاف، بالإضافة إلى اقتحام مباني المستشفيات والمجمعات الطبية.
إن نطاق الدمار والحصار ومنع وصول المساعدات يقلص فرص الحصول على الرعاية الطبية المنقذة للحياة في غزة. فبحسب بيان منظمة الصحة العالمية الذي صدر في 18 أيار\مايو 2024، وصفت الدمار بالفاجعة، إذ أن 70%-80% من المنشآت الصحية – الطبية والخدمات دمّرت بالكامل أو بشكل جزئي. ومن بين المستشفيات الرئيسية الـ 36 التي كانت تخدم أكثر من مليوني شخص من سكان غزة، لا تزال 10 منها فقط تعمل إلى حد ما، في ظل القيود الشديدة على أنواع الخدمات التي يمكنها تقديمها. وقد أجبِرت 46 من أصل 72 عيادة للرعاية الأولية على الإغلاق.
ويعود سبب الإغلاق القسري لهذه المرافق إلى الأضرار الناجمة عن الهجمات الموجهة للمستشفيات المدنية والمجمعات الطبية، منها الهجمات على “المستشفى الإندونيسي“، والمستشفى الأهلي“، و”المركز الدولي للعيون“، و”مستشفى الصداقة التركي الفلسطيني“، و”مستشفى القدس“، ووصلت هذه الهجمات أوجها في مجزرة مجمع الشفاء الطبي. ويعتبر مجمع الشفاء واحداً من أقدم المستشفيات في قطاع غزة، حيث تم بناؤه عام 1946 ثم شهد عدة توسعات في أزمنة مختلفة ليصبح أكبر مجمع طبي في قطاع غزة ويضم 3 مستشفيات رئيسية. استشهد 250 مدنياً فلسطينياً جراء قصف مدخل مجمع الشفاء.
ولم تقتصر ضربة النظام الصحي على القصف المباشر فقط، بل عمدت إسرائيل إلى فرض حصار أدّى إلى نقص في إمدادات الكهرباء والوقود ومنع وصول المساعدات الطبية والأدوية ومنع وصول الإمدادات المُساعِدة، ناهيك عن حرق كامل مخازن الأدوية والمساعدات، والذي وثّق في 2 حزيران\يونيو عبر بيان صادر عن وزير الصحة الفلسطيني.
ويبقى مصير المستشفيات العاملة والمهدّدة بالخروج عن الخدمة غير معروف، بسبب نقص الوقود والموظفين والإمدادات والركام، وتراكم النفايات الصلبة. بالإضافة إلى انتشار العديد من القوارض والحشرات، ممّا يؤدّي إلى نقل الأمراض الجلدية والباطنية، وإلى صعوبات كبيرة نتيجة تحلّل الجثث تحت ركام المباني وفي المقابر الجماعية التي ربما قام الاحتلال ببعثرتها وتدنيسها، إلى جانب دفن بعض المرضى في قبور غير محدّدة وأحياناً في داخل المستشفيات.
ونتيجة هذا الحصار العسكري واستهداف البنى التحتية، فهو تعطّل شبكة الصرف الصحي عن العمل وقلّة الطعام المتاح لسكان غزة والمرضى، ممّا تسبّب بتفشّي الأمراض المعدية، ومن أهمها التهاب الكبدى الفيروسي نوع أ، وهو ما أصيب به عشرات الآلاف من سكان غزة، إلى جانب حالات الإسهال والقيء والالتهاب المعوي الحاد الناتج عن تلوث مياه الشرب ومصادرها أو انعدامها في معظم الأحياء، مثلما تم توثيقه في “مستشفى الأمل“.
“نحن محاصرون الآن، ولا يستطيع المرضى الوصول إلى المستشفى لأنه لا يُسمح لهم بالسير في الشوارع القريبة من المستشفى. كما أن سيارات الإسعاف لدينا الآن ليس بإمكانها التحرك خارج المستشفى10افادة الدكتور حيدر القدرة رئيس مستشفى الأمل للوكالة الأممية 27 ابريل 2024.” وقد أصبحت المجمّعات الطبية المتبقية مقراً للجيش التابع للاستعمار الاستيطاني الصهيوني، حيث أفادت المصادر الطبية بأن القوات الإسرائيلية حولت مستشفى العودة، إلى ثكنة عسكرية تحتجز بداخلها العشرات من كوادره الطبية، والمرضى والنازحين.
وعلى الرغم من اقتحام الاحتلال للعديد من المستشفيات في القطاع واستهداف البعض الآخر، كانت الطواقم الطبية والمتطوعون من أهالي المنطقة يهرعون في كل مرة لإعادة تنظيف المستشفى والمركز الصحي ومحاولة تشغيلها من جديد. ومع ذلك، كانت تلك المباني والمراكز الصحية تُستهدف مرة أخرى، مثلما حدث في”مستشفى كمال عدوان“، و”مستشفى ناصر” في رفح، الذي تعرض للاستهداف عدة مرات.
علاوة على كل هذه الهجمات، لم تنج أكبر عيادة للخصوبة في غزة، بحيث طالتها قذيفة في 18 نيسان\ أبريل، ونتج عنها تدمير أكثر من 4000 جنين بالإضافة إلى 1000 عينة أخرى من الحيوانات المنوية والبويضات غير المخصبة المخزنة في مركز البسمة لأطفال الأنابيب في مدينة غزة.
المشاعات الزراعية والغطاء النباتي:
لم تسلم الأراضي والأشجار من بطش الاستعمار الاستيطاني الصهيوني. فبحسب الرصد الاخير الذي أقيم من قبل وكالة الأمم المتحدة في 2 حزيران\يونيو 2024، تم توثيق أكثر من 56% من الأراضي الخضراء المدمرة أو المستهدفة من قبل الهجمات الممنهجة على يد الاستعمار الاستيطاني الصهيوني. كما كشفت البيانات عن تدمير المزارع والمحاصيل الحقلية والخضراوات في غزة، بالإضافة إلى أشجار الزيتون، الصنوبر، البلوط، والصبار التي تمّ قصفها وتشويهها واقتلاعها من جذورها، والعديد منها من الأشجار المعمّرة. وقد صرّحت بلدية غزة عبر تقرير لها، عن اقتلاع 55000 شجرة من الأشجار المثمرة، وتحويل 25 مليون متر مربع من الأراضي الزراعية إلى أرض قاحلة غير صالح للزراعة نتيجة القنابل الفسفورية وثاني اكسيد الكربون.
إن السياسات الاستعمارية الإسرائيلية الهادفة إلى تدمير القطاع الزراعي في غزة ترمي إلى إنشاء بيئة طاردة للسكان قادرة على تجويعهم، وذلك من أجل ترحيلهم.
“لمسنا وجود سياسة إسرائيلية استعمارية ممنهجة لتجويع قطاع غزة، وهي استنساخ سياسات الاستعمار الاستيطاني الهادفة إلى محو السكان الأصلانيين وترحيلهم. ولا تقتصر هذه السياسات على استهداف وتدمير الإنتاج الزراعي ومنشآته، أو منْع توريد مستلزمات النهوض بالقطاع الزراعي فحسب، بل أيضاً تتعداه نحو استهداف وتدمير مئات المخابز وشركة مطاحن القمح الوحيدة في قطاع غزة، علاوة على استهداف الباحثين عن المساعدات والقوافل الإنسانية، وذلك بهدف تشكيل حالة من انعدام القدرة على العيش في قطاع غزة، وهو ما يدفع بعد انتهاء الحرب إلى ما يُسمى الهجرة الطوعية11مجلة الدراسات الفلسطينية ندوة حملت عنوان «السياسات الإسرائيلية في محو القطاع الزراعي الفلسطيني منذ بدء الحرب على غزة» حيث تحدث فيها الباحث الفلسطيني أشرف بدر.“
الإبادة المكانية كاستراتيجية سياسية
بحسب المعطيات الأخيرة والمجملة للأضرار في البنية التحتية في غزة منذ السابع من أكتوبر\تشرين الأول، قدّر كلّ من البنك الدولي والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة أضرار المنشآت المباشرة بكافة وظائفها في غزة من تشرين الأول\أكتوبر وحتى كانون الثاني\ يناير عند 18.5 مليار دولار. ورُصد في البيان الأخير تدمير ما يزيد عن 75% من البنية التحتية، شمل المولدات الكهربائية، الاتصالات والمياه والمباني العامة والسكنية. فقد ألحقت الغارات الجوية الموجّهة من قبل الاستعمار الاستيطاني المنوط بإسرائيل، أضراراً بكافة المنشآت التي كانت توفّر خدمات تحلية المياه والصرف الصحي لأكثر من مليون شخص. وفي بعض المناطق، تتراكم الآن مياه الصرف الصحي والنفايات الصلبة في الشوارع، ممّا يشكل خطرا صحياً شديداً وواضحاً. وشملت هذه الأضرار 70% من آبار المياه الطبيعية.
وتصبّ هذه الاستهدافات في محاولة تحويل غزة إلى فضاء خالٍ، بشكل يمنع إعادة بنائه وإحياء البنية التحتية والمنظومات الخدماتية والسكنية والاجتماعية الموروثة من جديد.
أرى ذكريات 25 عاماً انتهت في لحظة. هنا كنت ألعب مع أشقائى الثلاثة، وهنا المدرسة الابتدائية التي درست فيها أنا وأشقائى وأقاربي، هناك محل بقالة “عم مدحت”، حيث كنا نذهب لشراء احتياجاتنا، وبجواره مخبز “عم ممدوح”. ولكن في لحظة أصبح كل ذلك أنقاض. لا أرى سواء ركام وقمامة تملأ الشوارع، حيوانات ضالة تنتشر هنا وهناك، وبيوت مهدمة، ومياه صرف صحي تغمر الأرض. لا يوجد في الشارع بشر إلا جثث تحت الأنقاض. لم يعد معي أشقائى الذين استشهدوا، المدرسة ومحل البقالة بل وبيتنا أيضا أصبح مجرد ركام. معدات الحماية المدنية تنتشر في الشارع لمحاولة إخراج بعض الجثث الباقية تحت الحطام منذ أيام12ورقة سياسية بعنوان ““هنا كنا نعيش”.. بالأرقام والإحصائيات.. كيف أخفى الاحتلال معالم غزة؟من أحمد عرفه، لمنصة “اليوم السابع” الاخبارية، نشرت في 6 مايو 2024.
لا تأتي هذه المقاربة للمكان وابادته من فراغ أو من صدفة، بل نراها في صُلب الأيديولوجيا الاستعمارية، بحيث أنّها تعرف الصلة بين المكان والفرد والجماعة، وما تصنعه هذه الصلة من تأثير نفسي، اجتماعي، سياسي، قادر على صنع الانتماء أو إزالته.
وبالتالي، فإن استمرار سلسلة التدمير والإحلال ينبع من عمل الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي باتّجاه تهويد الأرض13استراتيجيات جمَّة استخدمت من سنة 1967 من قبل الحكومة الاسرائيلية حيث منحت اراضي القرى المنهوبة الي منشأة “دائرة أراضي إسرائيل” وفوضت على ثلاثة هيئات عمل حكومية تحت الاستعمار الصهيوني الاحلالي، أول سلطة هي سلطة ” الاثار- التنقيب والحفريات”، وسلطة ” التطوير المعماري”، وسلطة “التوثيق والترميم”، وهكذا سخَّر حق إدارة هذه الأراضي والعقارات للمنشأت الدينية لخدمة ايديولوجية الاستعمار الاستيطاني وتثبيت هوية يهودية للمنشآت الدينية حتى ولو كان لا يتماشى مع سيرورتها التاريخية.(مقتطف من بحث لغيد خطيب – المصدر فلسطين الأرض والتاريخ المنهوب – وكالة الأنباء الفلسطينية – فبراير/شباط 2023). بذا، يُخفي الاستعمار الاستيطاني الحقائق ويسخّر أداة التدمير لإعادة كتابة تاريخ المكان، بشكل يشرّع وجوده وسيادته على الجماعات والأنماط المعمارية والنسيج العمراني والأرض. وهو ما يسمح بفرض سيادة استعمارية استيطانية صهيونية على المكان ذاته، تمنح الاستعمار الاستيطاني المظهر القانوني.
وتتضمّن هذه الأدوات الاستيطانية أساطير اجتماعية- مكانية ك “شعب الله المختار” و”أرض الميعاد“، و”تخضير الصحراء” وغيرها. في محاولةٍ لتجريد الفلسطينيات\ين من موروثهن\م وتاريخهن\م وهويتهن\م، تعمل هذه الأساطير والمصطلحات على تبرير الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وتجسيد حقوق الصهاينة بأرض موات، نفخوا فيها الروح واكتسبوا بالتالي حق العيش فيها، إن لوعد إلهي من جهة، أو لجهد وعمل وضعوه لإحيائها، وذلك على حساب الحقوق التاريخية للفلسطينيات\ين. وبذا، تقوم هذه الأساطير مقام المحفّز لتسخير السردية التاريخية، الدينية، والبيئية، المكانية، لبروباغاندا صهيونية، ورؤى استراتيجية للسيطرة على النقاش العام وإثارة الرأي العام الدولي خدمةّ للمصلحة الصهيونية. ويعتمد الاستعمار الاستيطاني الإحلالي الصهيوني في دولة إسرائيل على هذه الاستراتيجيات كتكتيك لجمع الأموال والموارد لتمويل المشروع الاستيطاني، وتأكيد وجوده بشكل لا يمكن إنكاره.
بذا، يكون أي شكل من أشكال الصمود، عملية مقاومة معقّدة، يأتي تعقيدها لا من صعوبتها بذاتها، بل لتصعيب الاحتلال الحياة على السكان الأصليين، عبر قطع كل المواد التي يحتاجونها لهذه العملية؛ إن كانت أشياء مادية، أو بنى اجتماعية.
فمع الحرب تصبح الحاجة للاستمرار والنجاة والبقاء شبه بيولوجية…كحنظلِ يمدّ جذره في رمل الصحراء كلّما اشتدّ الجفاف. فبالرغم من الظروف القاسية والانتهاكات المستمرة وغياب المواد الأساسية، إلّا أن أهل غزّة يصنعون سبلاً جديدةً للعيش، كل يوم.
وتبدأ هذه السبل من التضامن الاجتماعي عبر التطوّع لاعادة إعمار المباني المدمّرة وتنظيف الشوارع وبقايا المباني الصامدة، أو عن طريق استعادة شيء من الحياة العادية عبر افتتاح النازحين لبسطات غذائية وتجارية أو عن طريق بيع حلويات مصنوعة يدوياً ومأكولات كالفلافل والحمص، وافتتاح بعض الأفراد لورش صغيرة يقدّمون فيها خدماتهم ويمارسون فيها الحرف والمهن التي يتقنونها، كبسطة للحلاقة وتصفيف شعر النساء. كما يقوم النازحات\ون بشكل جماعي بالتنقيب عن المياه الجوفية، حتى في المناطق الصحراوية، واختراع بدائل لتحلية المياه باستخدام الموارد الطبيعية التي تشمل الأحجار والرمل، بالإضافة إلى إنشاء أفران طينية للخبز والطهو، وبدائل كهربائية كتجميع ألواح الطاقة الشمسية وشحن الهواتف الخلوية، واختراع فرن صغير للخيم\البيوت من مواد يسهل إيجادها، خاصة في ظل انقطاع الغاز. كما وأن معظم المزارعين لم يتوانوا عن حصد مزروعاتهم خلال الأشهر الثمانية الماضية.
وعلى الرغم من التغيير الكامل للنسيج الاجتماعي العمراني نتيجة القتل والتهجير والنزوح، إلّا أن أهل غزّة استطاعوا نسج علاقات اجتماعية جديدة، تتخطّى القرابة والمعرفة المسبقة، بل تأخذ قوتها من السعي الجماعي للنجاة، وتعتمد على المشاركة والتعاضد لإيجاد بدائل من أجل الاستمرار.
المصادر:
Rana Barakat, “Writing Palestinian History: Settler Colonialism versus Indigenous Studies,” Conference Paper for “Zionism as a Settler Colonial Movement,” held by Mada al Karmil, Arab Center for Applied Social Research, ( 2015), Ramallah, Palestine
Patrick Wolfe, “Settler Colonialism and the Elimination of the Native,” Journal of Genocide Research 8, no. 4 (2006),-,.
Neve Gordon , Moriel Ram, “Ethnic cleansing and the formation of settler colonial geographie”,Political Geography 53 ,(2016),-.
Abu-Lughod, I. A,”The transformation of Palestine: Essays on the origin and development of the Arab-Israeli conflict”. Evanstone, IL,(1971), USA: Northwestern University.
افنان ابو يحيا، “إبادة المكان: محوُ غزة هدفٌ للحرب” مقابلة مع عبد الرحمن كتّانة، مجلة حبر،(2024)، -.
ساري حنفي، “الحرب على غزة: من الإبادة المكانية إلى الإبادة الجماعية”، السفير – وجهات نظر،(2023)،-.
صحيفة هأرتس، “ابرز مجازر العصابات الصهيونية في فلسطين عام 1948″،-، (2022).
مروة جمال، منصة بي بي سي نيوز عربية “روايات لسكان غزة عن قصف منازلهم بعد تدمير عشرات الآلاف من الوحدات السكنية بشكل كلي”،-، (2023)
الجزيرة “المستوطنات-الإسرائيلية-الوجه-الآخر”،-، (2023)،-.
يستند هذا المقال على ملاحظات ” مؤتمر دولي يبحث تأثير سياسات الاستيطان الإسرائيلية على الفلسطينيين”،موقع الامم المتحدة.
نبذة عن غيد
غيد خطيب مهندسة معمارية متخصصة في الترميم والحفاظ على موروث العمارة المحلية في فلسطين المحتلة، تدمج غيد بين ثالوث الفن والعمارة والأبحاث لفهم العلاقة بين المسكن والأرض اي بين الميد والغيم، بهدف التعمق في فهم هوية العمارة الفلسطينية بكل جوانبها ووجدانها، وقد أسهمت في العديد من المعارض في مواقع محلية ودولية، مما عزز من خبرتها في التنسيق بين النظرية والممارسة.
المراجع:
- 1Settler colonialism and the elimination of the native (wolfe,1999),”ويرتبط التطهير الإثني بالاستعمار الاستيطاني، لأن هذا الأخير يتأسس وفقاً لمبدء الاستحواذ على الأرض عن طريق محو “الآخر الأصلي” منها”
- 2تستند المعطيات والأرقام المذكورة إلى التحليلات المعروضة في البيانات والإحصائيات الصادرة عن الوكالة الأممية في مجلس الأمم، بتاريخ 18 أيار\مايو 2024.
- 3مقتبس من لقاء مع معين أبو رزق نازح من منطقة الزهرة -غزة مع مراسلة بي بي نيوز عربي مروة جمال -(23 كانون الثاني\يناير 2024)
- 4مقتبس من صفحة فيسبوك الشخصية للصحفي يوسف فارس ابن غزة، وتم رصدها وتوثيقها من قبل ضياء عودة لمنصة الحرة -(15 كانون الثاني\يناير 2024)
- 5تسجيل من مقابلة شخصية مع محمود الشاعر مؤسس جاليري 28 في رفح،من قبل مجلة فسحة في إحدى الندوات الرقمية عبر الزوم.
- 6رحمة حسين، معطيات وتحاليل ، ورقة سياسية “كيف دمرت إسرائيل قطاع التعليم في غزة؟”، منصة حبر، 24 مايو، 2024
- 7معطيات ورقة سياسية، منصة يوم السابع الاخبارية، استنادًا لتحاليل الوكالة الاممية، 1 يناير، 2024.
- 8رحمة حسين، مقابلة شخصية، ورقة سياسية “كيف دمرت إسرائيل قطاع التعليم في غزة؟”، منصة حبر، 24 مايو، 2024.
- 9معطيات صادرة من قبل بيان وزارة الثقافة الفلسطينية، وتم أرشفته من قبل منصة “الشرق الاوسط”.
- 10افادة الدكتور حيدر القدرة رئيس مستشفى الأمل للوكالة الأممية 27 ابريل 2024.
- 11مجلة الدراسات الفلسطينية ندوة حملت عنوان «السياسات الإسرائيلية في محو القطاع الزراعي الفلسطيني منذ بدء الحرب على غزة» حيث تحدث فيها الباحث الفلسطيني أشرف بدر.
- 12ورقة سياسية بعنوان ““هنا كنا نعيش”.. بالأرقام والإحصائيات.. كيف أخفى الاحتلال معالم غزة؟من أحمد عرفه، لمنصة “اليوم السابع” الاخبارية، نشرت في 6 مايو 2024.
- 13استراتيجيات جمَّة استخدمت من سنة 1967 من قبل الحكومة الاسرائيلية حيث منحت اراضي القرى المنهوبة الي منشأة “دائرة أراضي إسرائيل” وفوضت على ثلاثة هيئات عمل حكومية تحت الاستعمار الصهيوني الاحلالي، أول سلطة هي سلطة ” الاثار- التنقيب والحفريات”، وسلطة ” التطوير المعماري”، وسلطة “التوثيق والترميم”، وهكذا سخَّر حق إدارة هذه الأراضي والعقارات للمنشأت الدينية لخدمة ايديولوجية الاستعمار الاستيطاني وتثبيت هوية يهودية للمنشآت الدينية حتى ولو كان لا يتماشى مع سيرورتها التاريخية.(مقتطف من بحث لغيد خطيب – المصدر فلسطين الأرض والتاريخ المنهوب – وكالة الأنباء الفلسطينية – فبراير/شباط 2023)