“استديو أشغال عامة” ينظّم اللقاء الأول عن مبادرات العودة والتعافي بعد الحرب الإسرائيلية

نظّم “استديو أشغال عامة”، بالشراكة مع “كبكوب”، اللقاء الأول من سلسلة جلسات نقاش مفتوحة عن مبادرات العودة والتعافي بعد الحرب الإسرائيلية، في أريسكو بالاس في الحمرا – بيروت. يندرج هذا اللقاء ضمن مسار مستمر أطلقه “استديو أشغال عامة” عقب ندوة عقدها سابقاً تناولت تجارب إعادة الإعمار، بهدف إبقاء النقاش العام حياً عن قضايا الإعمار بعد العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان.

تسعى هذه اللقاءات الشهرية، غير الرسمية والمفتوحة، إلى خلق مساحة دائمة للحوار بين مجموعة متنوعة من المشاركين/ات من باحثين وطلاب وصحافيين وسكان المناطق المتضررة. ويهدف هذا الإطار إلى تجاوز الفصل التقليدي بين “الخبراء” و”المتضررين”، وتعزيز تبادل المعرفة حول مفاهيم التخطيط والتراث والسكن والاقتصاد وسبل إعادة بناء النسيج الاجتماعي، بما في ذلك المبادرات الفردية والجماعية التي نشأت على الأرض.

استُهلّ اللقاء بكلمة للباحثة في “استديو أشغال عامة” يارا عبد الخالق، عرضت فيها جهود الاستديو في توثيق الإبادة المكانية والبيئية الناتجة عن العدوان الإسرائيلي منذ 8 تشرين الأول 2023. وقدّمت قراءة شاملة لمسار إعادة الإعمار في جنوب لبنان، مستعرضةً أبرز المعطيات التي رصدها الاستديو حول واقع إعادة الإعمار، من مسح الأضرار والتمويل إلى السياسات الرسمية وإزالة الردم والتعويضات. كما وزّعت على الحاضرين ورقة مختصرة بعنوان “مخاطر إعادة الإعمار ومبادئه”، تتناول الثغرات في مقترحات إعادة الإعمار الحالية وتقترح مبادئ لضمان عدالة وشمول حقيقيين في عملية الإعمار. 

وشددت عبد الخالق على أهمية اعتماد نهج تشاركي محلي يأخذ في الاعتبار خصوصيات المناطق المتضررة والنسيج الاجتماعي والعمراني، ويحمي السكان من التهجير والمضاربة العقارية. وأكدت أن إعادة الإعمار ليست مجرد عملية تقنية أو مالية، بل قرار سياسي يجب أن يُبنى على مبادئ العدالة والشفافية والحق في السكن. 

تناول اللقاء المفتوح تجارب حية من مناطق مختلفة في الجنوب وبعلبك، حيث عرض المشاركون مبادرات محلية نشأت لتلبية الحاجات المجتمعية في ظل غياب الخطط المركزية. من بين هذه المبادرات، برزت مبادرة أهلية في كفركلا، أُطلقت بجهود ذاتية من الأهالي لمساعدة المهجّرين والعمال الأجانب، من خلال الزراعة والدعم الفردي.

كما استُعرضت تجربة “الوجه الحسن”، التي أطلقتها جمعية “وتعاونوا”، وهي مبادرة بدأت قبل الحرب وساهمت خلال العدوان وبعده في تقديم الدعم للعائلات ذات الدخل المحدود وترميم المنازل وإعادة تأهيل المدارس والمراكز المجتمعية في بلدات مثل مجدل سلم ورامية ومارون الراس، حيث فُعّلت “باحات الخدمات” كأداة لدعم المزارعين وتمكين السكان من العودة.

ومن بعلبك، نُقلت تجارب المجتمعات في توثيق سردياتها بعد الحرب، من خلال المطابخ المجتمعية ومحاولات خلق رواية محلية بديلة عن الخطاب الرسمي وتفعيل دور السكان في رسم ملامح الإعمار التشاركي.

كما عرض “استديو أشغال عامة” عمله في صور وكفركلا وبعلبك، الذي يضيء على التحديات المحلية لإعادة الإعمار والتعافي في ثلاث بلدات تختلف من حيث السياق ونوع الأضرار. وقد بدأ الاستديو في مدينة صور بمقاربة تشاركية تعنى بتحديد الأولويات المحلية وتطوير رؤى بديلة لإعادة الإعمار تنطلق من واقع السكان.

كذلك، جرى نقاش حول دور المديرية العامة للتنظيم المدني خلال مرحلة إعادة الإعمار، مع الإشارة إلى مبادرة تتضمن اقتراحاً لإعادة الإعمار في بلدة الخيام والعمل على إعداد مخطط توجيهي جديد للبلدة. 

وتناول اللقاء أيضاً مساهمات فنية ومجتمعية كوسيلة للتعافي، كما في تجربة “سطيحة” في كفررمان، التي جمعت بين الزراعة المستدامة والفنون، مستضيفة فنانين وفنانات وعائلات محلية ضمن مساحات لإعادة تأهيل التربة والتعلّم المشترك.

كما طُرحت المشاركات النسائية، كـ”خطوة امرأة”، التي أبرزت أهمية تمكين النساء للانخراط في مسارات التعافي المحلي، فيما أضاءت جمعية سكان الأحياء المتضررة من تفجير مرفأ بيروت على تحديات الاستجابة غير المنظّمة وغياب المساءلة في عمليات الإحصاء وتقديم المساعدة.

وناقش الحاضرون ضرورة تعميم النماذج الناجحة، كفكرة “باحات الخدمات”، ضمن سياق سياسي يعنى بوضع آليات للاستدامة وتعزيز التشبيك بين المبادرات، بدل الاعتماد على حلول آنية أو منقوصة، لاسيما في ظل استهداف هذه المبادرات التي تُعدّ جزءاً أساسياً من المقاومة والصمود. كما تم التطرق إلى البُعد الاقتصادي للعودة، في ظل أزمة الإيجارات في المدن، خاصة بعد الحرب. 

ومن جهة أخرى، جرى التشديد على ضرورة أن تنطلق مقاربة إعادة الإعمار من حاجات المجتمعات المحلية، في ظل توجّه المانحين الدوليين إلى فرض شروطهم دون الأخذ في الاعتبار هذه الحاجات، بما يحيّد بشكل كامل الدور الأساسي للدولة اللبنانية في هذه المرحلة.

إعادة الإعمار والتعافي لبنان