بعد حوالي أسبوع من انهيار مبنى كامل في صحراء الشويفات، وقعت مأساة مروّعة يوم الإثنين الماضي 19 شباط 2024، حيث انهار مبنى الريشاني في حي العين – الشويفات على قاطنيه، ممّا أدّى إلى وفاة أربعة أشخاص بينهم طفلين، وإصابة ستة آخرون بجروح خطيرة. هذا وتشرّدت ست عائلات سورية كانت تسكن في المبنى، وتمّ إيواءها مؤقتاً في قاعة تابعة لبلدية الشويفات، التي لن تستضيفهم طويلاً، وسط تأكيدات من الهيئة العليا للإغاثة أن «لا إيواء ولا تقديمات للسوريين».1مقال “انهيار مبنى ثانٍ في الشويفات ومحاولات رمي المسؤولية على الضحايا السوريين”. نُشر في المفكرة القانونية في ٢٤ شباط ٢٠٢٤
تشير التقارير الأولية إلى أن سبب الانهيار يعود إلى سقوط صخور وتربة من جبل ترابي متاخم للمبنى. فقبل حوالي أسبوع من وقوع الحادث، بدأ الجبل الترابي بالانهيار، غير أن السكان، وهم حوالي 17 شخصاً من الجنسية السورية، لم يكن لديهم مكان بديل للانتقال إليه فاضطرّوا للبقاء فيه. ووفقاً لبلدية الشويفات، منذ حوالي الـ٥ سنوات، تداعى سور الدعم الخاص بالمبنى الملاصق للمبنى المنهار اليوم، بسبب سقوط أجزاء من الجبل. يومها تضرّر المبنى بشكل طفيف، ولكن لم يُخلَ أي من سكانه. وقد كشف خبير من قبل البلدية حينها على المباني، وأوصى بتدعيم السور المتداعي، وهو ما نُفّذ بالفعل.
وبينما استسهلت السلطات اعتبار انهيار الجبل الترابي سبب انهيار المبنى الوحيد، إلا أنّه السبب المباشر فقط، بينما تمتدّ جذور هذه الحادثة إلى مستوى أعمق بكثير.
أوّلاً، إن غياب التصنيف المناسب للأراضي يشكّل جزءاً من المشكلة. فمن المفترض أن يكون لكل منطقة تصميم توجيهي، صادر عن المديرية العامة للتنظيم المدني بالتعاون مع البلدية، يحدّد تصنيفات الأراضي، آخذاً بعين الاعتبار المخاطر الطبيعية المحتملة، مثل وجود جبال، انحدار، تربة معرّضة للانزلاق أو أنهار معرّضة للفيضان، إلخ. إلّا أن المبنى المنهار في الشويفات يقع في منطقة مصنّفة “امتداد سكني” بحسب تصميم الشويفات التوجيهي، دون تحديد المخاطر فيها، ككونها منطقة جبلية فيها انحدار قوي.
ثانياً، إن التقصير في تطبيق معايير البناء والسلامة العامة لعب دوراً محورياً في هذه المأساة. فالمبنى المنهار كان واحداً من ثلاثة مبانٍ، يتألّف كلٌّ منها من ثلاثة طوابق، تمّ بناؤها بدايةً من عام 1995 على العقار 1629 (الشويفات – الأُمراء) دون فرز، ولم يحصل المالكون – وهم ثلاثة إخوة من عائلة الريشاني – على رخصة إشغال (رخصة سكن) لمبانيهم2 بحسب ما قاله محامي بلدية الشويفات للمفكرة القانونية.، ما يجعلها غير مؤهلّة للسكن. فرخصة الإشغال هي وثيقة رسمية تصدر عن البلدية، بعد كشف فني من التنظيم المدني، تثبت بأن البناء قد تم إنجازه وفقاً للمعايير والشروط المحدّدة في رخصة البناء وبحسب قانون البناء اللبناني. ويذكر المرسوم التطبيقي لقانون البناء في الشق المتعلّق بتأمين متطلّبات السلامة العامة أن التقدّم بطلب رخصة السكن يجب أن يُرفَق بإفادة من المهندسين المسؤولين عن المشروع موقّعة منهم ومصدّقة من إحدى نقابتيّ المهندسين، تتضمّن تحمّلهم المسؤولية وتأكيدهم بأن تنفيذ البناء قد تمّ وفقاً للمواصفات المحدّدة بالمرسوم المذكور. وبالتالي، لا يجوز السكن في البناء دون الحصول على رخصة الإشغال التي تؤكّد سلامة المبنى وحقيقة تنفيذ الإجراءات اللازمة لحمايته من أخطار قد تواجهه بسبب موقعه، وهو ما تجاهله مالكو المبنى، الذين يتحمّلون المسؤولية الأكبر في ما حصل، خاصةً وأنّهم أجّروا الشقق غير المطابقة للمعايير للعائلات المنكوبة واستخفّوا بسلامة الناس. أمّا المسؤول الثاني، فهو بالطبع بلدية الشويفات، التي استهترت بحياة السكان وسلامتهم ولم تطبّق الرقابة، وتغاضت عن تأجير المالكين مبناهم دون الحصول على الرخصة. وهذا يطرح تساؤلاً حول إمكانية وجود مبانٍ أخرى ضمن نطاق البلدية هذه، أو غيرها من البلديات، مسكونة دون استحصالها على رخص إشغال، ما ينذر بخطر حصول مآسي مماثلة في المستقبل.
إذاً، ليست كل انهيارات المباني التي نشهدها في لبنان نتيجة لسبب واحد، بل هي ثمرة تراكم أسباب بنيوية قانونية وتاريخية متعددة، منها غياب تطبيق قانون البناء ومرسوم السلامة العامة، والإخفاق المستشري والإشكاليات في إصدار الرخص والتصاميم التوجيهية، إلخ. وتُضاف هذه الأسباب إلى مسؤوليات مشتركة بين مختلف الجهات المعنية رسمية وغير رسمية (بلديات، تنظيم مدني، نقابة مهندسين، مالكين، مقاولين، إلخ.) وبالتالي، فإن أي حلّ فعلي لما يحصل يبدأ بتفنيد هذه الأسباب وتحديد هذه المسؤوليات، ومقاربة ما يحصل بطريقة شاملة وليس كحالات فردية.
المراجع:
- 1مقال “انهيار مبنى ثانٍ في الشويفات ومحاولات رمي المسؤولية على الضحايا السوريين”. نُشر في المفكرة القانونية في ٢٤ شباط ٢٠٢٤
- 2بحسب ما قاله محامي بلدية الشويفات للمفكرة القانونية.
مرسوم السلامة العامة: لا ضمان لسلامة السكان ولا وقف لتدهور البيئة العمرانية
عُدّل بالمرسوم رقم 7964 المرعي الإجراء حالياً والصادر بتاريخ 7/4/2012.