عامان على الانتفاضة: منمنمات المدينة والناس ورأس المال

ليست الثورات ولا الانتفاضات نقطة في الخط الزمني للشعوب، بل هي موجات تتتالى وتُبنى على ما جاء قبلها. 
وليست المدينة موقعاً للأحداث فقط، بل هي خيوط تتداخل في الأحداث، توثّر عليها وتتأثّر بها.
في الذكرى الثانية لانتفاضة التاسع عشر من تشرين، نبحث في أركيولوجيا حركة الشارع والناس ورأس المال، علّنا نرسم منمنمات  للمدينة التي نريد أن نبني والمجتمع الذي نريد أن نخلق والنظام الاقتصادي الذي نسعى إليه، والانهيار الذي نريد له نهاية.

 

١٧ تشرين الأول ٢٠٢١

ربّما يكون أكثر تعريف دقيق لبيروت، وصفنا لها بأنّها مدينة مسلوبة، لا منذ الحرب الأهلية فقط، بل منذ الحقبة التي يُطلَق عليها اسم الحقبة الذهبية وانتشار سردية ازدهارها بفضل السياحة ودولارات المغتربين. 
ولا يشفع لتلك الحقبة تغنّي الخطاب المهيمن بها، فالمدينة ليست بطاقة بريدية بهتت ألوانها، ولا هي مجموعة ذكرياتٍ انتقائية وجّهها شعور قومي يبحث عن ماضٍ جميلٍ ما.

١٧ تشرين الأول ٢٠٢١

«الرينغ». هذا مدخل وسط بيروت. ليس مألوفاً أن تهبط\ي إلى قلب المدينة عبر جسر، أو على الأقل ليس أليفاً، أو ودوداً لتلك الدرجة التي ترغبينها. إذا كنت آتية\آتياً من الغرب، فأنت تأتي\ن من القنطاري، وبالتالي ثمة احتمال أنك تأتي\ن من الحمرا أو من رأس بيروت إلى قلبها. وهذا يعني، أنك تأتي\ن من المركز إلى المركز.

١٧ تشرين الأول ٢٠٢١

لم تكُن الآمال المُعلّقة على انتفاضة 17 تشرين الأوّل من العام 2019 حالمة أو خياليّة. لم يكُن متوقّعاً حصول ثورة تقلب النظام رأساً على عقب، أو الإطاحة بزعامات طائفيّة حصلت قبل عامٍ واحدٍ من الانتفاضة على أصوات أكثر من 85% من المقيمين، ولا القضاء على مصالح طبقة اجتماعيّة بعضها مُتجذّر منذ ما قبل نشوء لبنان. لكن في المقلب الآخر، لم يكُن متوقّعاً أيضاً أن ينجح حلف زعماء الميليشيات الطائفيّة وأصحاب المال بالصمود أمام إحدى أكبر الأزمات الاقتصاديّة في العالم خلال الأعوام المئة الماضية1، وإعادة تجديد نفسه على حساب تحميل المجتمع والأجيال المُقبلة إرثاً مُثقلاً بديون وخسائر سوف يدفعون ثمنها فقراً وهجرة ومستقبلاً قاتماً. 

  • 1. صنّف البنك الدولي الأزمة الاقتصادية في المرتبة الثالثة بين أكبر الأزمات في العالم خلال الأعوام المئة الماضية.