أعلن رئيس مجلس النواب نبيه برّي عن انعقاد جلسةٍ تشريعيةٍ أيام 21 و22 و23 نيسان. وعلى الرغم من كثرة القوانين المطروحة، يخلو جدول أعمال الجلسة من أيّ رؤيةٍ اجتماعيةٍ - اقتصاديةٍ تحاكي مستوى التحدّيات الحالية. بل على العكس، فإذا ما نظرنا تحديدًا في مشروع قانون الموافقة على "اتفاقية قرضٍ بين الجمهورية اللبنانية والبنك الدولي لتنفيذ تحديث نظام الأراضي"، نرى إنكارًا تامًا للأزمات التي نعيشها، ونستخلص أنّ قوى السلطة تعيد إنتاج الأسباب التي أدّت إلى تلك الأزمات في الأساس.
هل يعتبرُ قاطنو المدينة أن المشاريع التنمويّة والسياسات المدينيّة التي تضعُها الدولة في صالحهم؟ هل يعتبرون أنهم يملكون حقّ البقاء في مكان سكنهم، وحقّ الاستخدام الحرّ لمساحات مدينتهم، وحقّ وجود المدارس والحدائق والمستوصفات في أحيائهم وبلداتهم؟ هل للمطوّرين العقارييّن الحقّ الكامل في تحديد كيفيّة استخدام عقاراتهم؟ وهل لمالك أيّ مبنى الحقّ في هدم مبناه أو تركه شاغرًا، أو حتى تحديد بدلات إيجارٍ تفوق قدرة غالبية السكان؟ هل تعلو الحقوق الفرديّة على الحقوق الجماعيّة في المدينة؟
لا يُمكن لقاصد الجنوب اللبناني عبر الطريق الساحلية أو الأوتوستراد تجاهل المشهد الملحميّ للسهل الزراعي الشاسع في ساحل الزهراني، حيث تُجاور بساتين الموز والحمضيات الخضراء رمالَ البحر. هذا السهل المترابط والمُمتدّ بين مدينتَي صيدا وصور على طول يقارب ٣٠ كلم، اعتمد عليه اقتصاد بلدات قضاء الزهراني منذ عشرات السنين، لكنه بات اليوم أحد آخر النماذج الزراعية على الساحل، في بلدٍ لطالما اعتُبر "مثاليًا" للزراعة بفضل مناخه وتربته ومياهه وتنوّع تضاريسه.
في ظلّ الحديث القائم اليوم عن لامركزية الانتفاضة اللبنانية وأهمية ذلك في مجابهة التهميش التاريخي الذي تعرّضت له المناطق، لا بد من معالجة مسألة الرؤية السائدة للتنمية الاقتصادية ومدى تأثير نمط الريع العقاري في إفقار المناطق، لا سيّما الشكل الذي يتخذه في خطط تنظيم الأراضي. في هذا المقال، نناقش هذه المسألة عبر التطرق إلى نموذج ساحل الزهراني، أي السهل الزراعي الممتد على طول الشاطئ ما بين مدينتَي صيدا وصور.
شكّل مشروع “أن نرسم بيروت من روايات مستأجريها” مبادرةً لنقاش إمكانيّات السكن في بيروت، وفهمها ضمن سياقاتها التاريخيّة والإجتماعيّة. كثيراً ما وُصفت بيروت بأنها ورشة بناءٍ دائمة. فالرافعات تشكّل جزءاً من أفق المدينة، سواءً على الساحل أو في قلب الأحياء السكنيّة. تعمّر هذه الورش الجديدة أبراجاً فاخرةً، تتشكّل غالبيتها من مبانٍ سكنيّةٍ راقيةٍ غير متاحةٍ إلّا لشريحةٍ صغيرةٍ من المجتمع. وقد أدّت هذه السياسات إلى الحدّ من إمكانيّة السكن في بيروت، وإخلاء العديد من الأسر منخفضة ومتوسّطة الدّخل من البيوت والأحياء التي لطالما عاشت فيها وإستمدّت سبل العيش منها.
في العام ١٩٢٥، وخلال فترة الإنتداب الفرنسيّ على لبنان، تبلور الإقتناع بالطابع العامّ لكامل الشاطئ اللبنانيّ في الفصل الأول من القرار ص/١٤٤ تحت عنوان «تحديد الأملاك العموميّة» التي تشمل «شاطئ البحر حتى أبعد مسافة يصل إليها الموج في الشتاء وشطوط الرمل والحصى». وحدّد أن الأملاك العموميّة (والبحريّة منها) «لا تُباع ولا تُكتَسَب ملكيتها مع مرور الزمن». هذا القرار والمرسوم رقم ٦٦ /١٨١٠ حميا الأملاك العامّة البحريّة عبر تقييد منح التراخيص لإستعمالاتها الحصريّة بالحالات الإستثنائية فقط.