ربّما يكون أكثر تعريف دقيق لبيروت، وصفنا لها بأنّها مدينة مسلوبة، لا منذ الحرب الأهلية فقط، بل منذ الحقبة التي يُطلَق عليها اسم الحقبة الذهبية وانتشار سردية ازدهارها بفضل السياحة ودولارات المغتربين.
ولا يشفع لتلك الحقبة تغنّي الخطاب المهيمن بها، فالمدينة ليست بطاقة بريدية بهتت ألوانها، ولا هي مجموعة ذكرياتٍ انتقائية وجّهها شعور قومي يبحث عن ماضٍ جميلٍ ما.
«الرينغ». هذا مدخل وسط بيروت. ليس مألوفاً أن تهبط\ي إلى قلب المدينة عبر جسر، أو على الأقل ليس أليفاً، أو ودوداً لتلك الدرجة التي ترغبينها. إذا كنت آتية\آتياً من الغرب، فأنت تأتي\ن من القنطاري، وبالتالي ثمة احتمال أنك تأتي\ن من الحمرا أو من رأس بيروت إلى قلبها. وهذا يعني، أنك تأتي\ن من المركز إلى المركز.
لم تكُن الآمال المُعلّقة على انتفاضة 17 تشرين الأوّل من العام 2019 حالمة أو خياليّة. لم يكُن متوقّعاً حصول ثورة تقلب النظام رأساً على عقب، أو الإطاحة بزعامات طائفيّة حصلت قبل عامٍ واحدٍ من الانتفاضة على أصوات أكثر من 85% من المقيمين، ولا القضاء على مصالح طبقة اجتماعيّة بعضها مُتجذّر منذ ما قبل نشوء لبنان. لكن في المقلب الآخر، لم يكُن متوقّعاً أيضاً أن ينجح حلف زعماء الميليشيات الطائفيّة وأصحاب المال بالصمود أمام إحدى أكبر الأزمات الاقتصاديّة في العالم خلال الأعوام المئة الماضية1، وإعادة تجديد نفسه على حساب تحميل المجتمع والأجيال المُقبلة إرثاً مُثقلاً بديون وخسائر سوف يدفعون ثمنها فقراً وهجرة ومستقبلاً قاتماً.
1. صنّف البنك الدولي الأزمة الاقتصادية في المرتبة الثالثة بين أكبر الأزمات في العالم خلال الأعوام المئة الماضية.
إجتاحت صوَر المناطق المتضرّرة جرّاء تفجير المرفأ الوسائل الإعلامية منذ لحظة التفجير الأولى، ولعلّ العديد منها سيصبح أيقونة بصرية سياسيةً لما جرى عصر ذلك اليوم. وبالرغم من أن محطّات التلفزة توقّفت عن البث المباشر من المناطق المتضرّرة، لكن الأحياء التي تأثّرت بالتفجير مازالت تعاني – وستعاني لفترة طويلة - من الدمار الحاصل، ومن أداء الدولة، ومن أوجه القصور في الاستجابة منذ التفجير.
تمرّ ذكرى الثورة المصرية في 25 يناير\كانون الأول، بعد تعاقب أربع حكومات حاولت كلٌّ منها - على مستوى شكل حكمها ومدى فعاليتها- ومنذ أول يومٍ لحكمها، أن تُنتج تغييرات توثّر على حياة المواطنات والمواطنين.
استهدفت مشاريع سوليدير، وعد في الضاحية الجنوبية ومخيّم نهر البارد إعادة إعمارٍ أحياء دمّرتها النزاعات المسلّحة التي وقعَت في لبنان السبعينات والثمانينات، وفي عامَي ٢٠٠٦ و ٢٠٠٧ على التوالي.
غابت الدولة عن الأحياء المتضررة منذ لحظة التفجير، وخلق غياب المعلومات وتضاربها والتجارب القديمة السيئة مع مشاريع إعادة الإعمار، قلقاً لدى السكان وريبةً من كل الجهات العاملة في هذه الأحياء. اليوم، تُطلق الUN-Habitat والUNESCO مشروع ترميم عددٍ من المباني في الأحياء المتضرّرة. وفي ظلّ استغلال أصحاب المُلك للعديد من الممارسات والقوانين، كما في ظلّ تسبُّب أغلب مشاريع الترميم بتهجير السكان، رأينا من الضروري أن نقدّم دليلاً قصيراً لتعريف السكان على هذا المشروع، أهدافه، أدواته وكيف من الممكن الحفاظ على حقوقهم وحماية بقاءهم في بيوتهم.